حالة مصر إزاء ما كان تين الروم والفرس فيها هدد الفرس الروم أثناء القرن السادس كله، وظلوا يتقدمون نحو حدود الدولة الرومية في جموع كثيفة. وشعر الناس بخطورة هذا التقدم في البلاد المصرية في الوقت الذي آل فيه الملك لهرقل (610 - 641 م) فإن الجيوش الفارسية بينما كانت تتقدم نحو الغرب كان أهل سورية وفلسطين يغادرون أوطانهم زرافات ووحدانا فرارا من وجه المغيرين ملتجئين إلى مصر، ولما وصل الاعتداء إلى الدلتا، وأغاروا عليها أوى المهاجرين إلى الإسكندرية للاعتصام بها، فلم تلبث تلك المدينة أن اكتظت بشعوب مختلفة لا مرتزق لها إلا ما يجود به أهل الخير من الصدقات، فكان من الصعب لكثرتهم تدبير أمر غذائهم في وقت قد تهددها فيها القحط عقب سنة قل فيها المحصول، بحيث أصبح غير كاف لغذاء الوطنيين أنفسهم، فلم ير القائد الرومي (نيكيتاس) بدا من برك مصر للفرس سنة 615 م (1).
استولى الفرس على مصر فرحب بهم المصريون، ورضوا عن طيب خاطر بحكمهم، ولم ير الفلاحون - وهم السواد الأعظم من السكان - في ذلك إلا تغييرا في شخص الحاكم. ويقول (ملن) ص 144 إنهم فضلوا حكومة شرقي على حكومة إغريقي. ولا وجه لهذا الاحتمال بالنسبة للمصريين إذا عرفنا أنهم قاسوا الأمرين من حكومة الروم، واشتد عليهم البلاء من فداحة الضرائب واستبداد الحكام، فرأوا أن حكم الفرس قد يكون أخف وطأة من حكم الروم.
وفي أثناء حكم الفرس لم يكن في مصر الأمور ما يكدر صفاء المصريين بعد أن أطلقت حرية معتقداتهم التي جرت عليهم المحن