وقد امتاز عمرو بين قومه بمزايا عديدة ظهر أثرها في أعماله ظهورا بينا، وتجلت صورتها للناس كلما ذكر اسمه، فكانت ذات أثر كبير في أحوال الأمة الإسلامية: الدينية والسياسية والحربية والاجتماعية. وبتحليل نفس عمرو يعرف المرء الصلة بين مواهبه وبين هذه الأحوال - تلك النفس التي حللناها فيما مررنا به من استقصاء أخباره، وتتبع آثاره، وذكر أقواله المأثورة وحكمة التالدة. ولا ريب في أن اسم عمرو بن العاص قد ملأ كل مكان استغنى عن تعريفه بنسب أو حسب، وأصبح معروفا لدى جميع طبقات العالم الإسلامي، ولا يجهل هذا الاسم أحد لانفراده بتلك المأثرة العظيمة - مأثرة فتح مصر وانتزاعها من قبضة الروم - مما أضحى له موضع أعجب العالم جميعا.
لا سيما مؤرخي الفرنجة الذين اشتغلوا بتاريخ الفتوح الإسلامية، ولا نبالغ إذا قلنا إن عمرو بن العاص كان نادرة في عصره، وحسنة من حسنات الدهر، وهاديا من هداة الإسلام، وليثا من ليوث العرب الذين أسسوا عظمة بلادهم، فنهضوا بها إلى أوج السعادة.
وقد رأيت مكانة عمرو من الشرف في قريش في الجاهلية واحترام العرب له، فلما أسلم حفظ له النبي صلى الله عليه وسلم شرف تلك المكانة. فتأدب عمرو بآدابه عليه السلام، فسمح بنفسه، وأخلص للرسول الخدمة، ولم تفت النبي صلى الله عليه وسلم شجاعة عمرو وإقدامه، فولاه على جند المسلمين في غزوة ذات السلاسل، ولا غرو إذا كان النبي عليه السلام مصيبا في اعتقاده. فقد كان عمرو موفقا للنصر في جميع المواقع التي اشترك فيها، فانتصر في غزوة ذات السلاسل وغزوة سواع، وفي وقائعه مع أهل الردة، وفي اشتراكه في حروب الشام وفلسطين، وفي مصر وبلاد المغرب، وهذا ولا ريب من نتائج الحزم والشجاعة والبصيرة بأمور الحرب. وحسبك دليلا على شجاعته مخاطبته جيفرا وعبادا ابني الجلندي وكذا مخاطبته قرة بن هبيرة،،