الأمير فأني هربت منه) فقال بعضهم ردوه فإنه يقتله يكون لكم بذلك عارفة عند الأمير) فساقوه إلى دار الإمارة فأخذ يتضور ويتأبى في سياقته حتى قرب من الدار، فقام إليه الشرط فقال: (لا يفوتنكم منهم أحد، فجمعوا له عن آخرهم).
وكان عمرو من شيوخ قريش في الجاهلية، فلما أسلم أثر الإسلام في نفسه فاقتلع منها كثيرا من رذائل الجاهلية، فألبست تلك النفس ثوب الفضيلة، وتجلت عن حسن خلقه، مما كان له نصيب وافر في تقدم الإسلام ونصرته، فأصبحت نزاعة إلى مكارم الأخلاق فتجلى فيها الحلم وطهارة السريرة والرجوع إلى الحق وتكفيره عن خطئه بأجلى مظاهرها، يدلك على ذلك ما رواه ابن عساكر عن الشعبي عن قبيصة قال: (صحبت عمرو بن العاص فما رأيت أبين طريقا، ولا أكرم جليسا، ولا أشبه سريرة بعلانية منه) وما رواه أبو المحاسن أنه تصادف أن وقع بين عمرو والمغيرة بن شعبة كلام فاستشاط عمرو غضبا وقال له: (يا آل هصيص أتسبني؟) فقال له عبد الله ابنه (إنا لله. دعوت بدعوة القبائل وقد نهى عنها!!) فندم عمرو على ما فرط منه وكفر عن خطئه بأن أعتق ثلاثين رقبة. وقد كان تقيا فخشي عقاب ربه، وخاف هول اليوم الآخر فتمنى لو سلبه الله ماله أو أثكله ولده أو نزع منه سلطانه رجاء عدم تعذيبه بالنار، روي عن ربيعة عن لقيط قال: سمعت عمرو بن العاص يصلي بالليل وهو يبكي ويقول: (اللهم آتيت عمرا مالا فإن كان أحب إليك أن تسلب عمرا ماله ولا تعذبه بالنار فأسلبه ماله، وإنك آتيت عمرا أولادا فإن كان أحب إليك أن تثكل عمرا ولده ولا تعذبه بالنار فاثكله ولده، وإنك آتيت عمرا سلطانا فإن كان أحب إليك أن تنزع منه سلطانه، ولا تعذبه بالنار فانزع منه سلطانه).
ونعتقد أن كان في آخر أيامه حين مرت به ساعة حاسب فيها نفسه على ما أتى في أيام الفتنة بعد أن سكنت النفس، وثاب إليها الرشد