ريفكم ما طاب لكم، فإذا يبس العود، وسخن الماء، وكثر الذباب، وحمض اللبن وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي إلى فسطاطكم على بركة الله، ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال، إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته، أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم (1) أه.
هذه الخطبة تمثل لنا عمرو بن العاص رجلا ناصحا لرعيته، حريصا على الاستمساك بسياسة عمر بن الخطاب، وإظهار زهد عمر، وإن كانت تنم بحبه للذات الحياة، وحثه الناس على أن يستمتعوا بها من غير إسراف، ثم نلاحظ هنا حثه الناس على تعهد الخيل، فإنه ربما دلنا على أن عمرا كان يضمر في نفسه حربا أخرى في إفريقية الشمالية، مع أن هذا كان لازما، لأن الروم كانوا يترقبون الفرص للإغارة على مصر من جديد، مما يدل على أن عمرا لم يكن يقتنع بفتح مصر، وإنما كان يحث الناس على الاعتناء بالخيل كأنه يضمر حربا أخرى ما حاول من فتح برقة، وكان هذا الفتح طبيعيا، لأن مصر ما زالت منذ عصورها الأولى إلى الآن تلاحظ هذا القسم من إفريقية الشمالية كأنه امتداد طبيعي لها.