بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور، وطيب الهواء للسلامة من الأمراض، وقرب الزرع منها ليحصل الناس على الأقوات وختم كلامه بقوله بأن العرب لم يراعوا هذه الشروط في اختيار مواقع المدن التي أسسوها كالقيروان والكوفة والبصرة، وأنها كانت أقرب إلى الخراب لما لم تراع فيها الأمور الطبيعية. أه.
وإن كان ابن خلدون قد أصاب في بعض ما ذكره، فإن أقواله تنطبق من جهة على بعض المدن التي أسسها العرب، ولا تنطبق من جهة أخرى على البعض الآخر كالفسطاط، لمراعاة الأمور الطبيعية والسياسية التي أدت إلى تأسيسها، لأن النيل يحدها شرقا والجبل غربا، وتقع المزارع فيما بينها، وبين الجبل من جهة، وبين جبل يشكر من جهة أخرى، وكذا لوقوعها على رأس الدلتا ليسهل الإشراف على الوجهين البحري والقبلي، ولما لم تكن العرب أمة بحرية كما تقدم، لم يكن هناك داع لتأسيس العاصمة على البحر الأحمر حتى لا يحول بينها وبين العرب ماء، كما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
3 - الخطط التي كانت بمدينة الفسطاط:
قال المقريزي (ج 1 ص 296) إعلم أن الخطط التي كانت بمدينة فسطاط مصر بمنزلة الحارات التي هي اليوم بالقاهرة، فقيل لتلك في مصر خطة وقيل لها في القاهرة حارة. أه فلما عزم عمرو على تخطيط الفسطاط ولى أربعة من المسلمين كما قدمنا فاختطوا لكل قبيلة خطة.
قال (بطلر): والظاهر أن الذي قام بتنفيذ هذا الأمر إنما هم القبط لدرايتهم بفن العمارة، التي كان يجهلها العرب.