تحول عمرو إلى الفسطاط، فكان خير وال، وأعظم قائد، وأحب الولاة إلى الرعية، وأشدهم قياما على العدل، والنظر في عمران البلاد وراحة أهلها، فتألف بدهائه وحسن سياسته قلوب القبط حتى جعلهم عونا للمسلمين، ورأى بما اشتهر عنه من بعد النظر حسن السياسة أن يتحبب إلى القبط فيمتلك قلوبهم، ليرجع الأمن إلى نصابه ويسود السلام والطمأنينة في ربوع البلاد، فيأمن الفتن والقلاقل، ثم يتفرغ بعد إلى إدارة البلاد وإنهاضها. ولاغرو إذا تفانى المصريون في محبته وبالغوا في تعظيمه، فقد أزال ما حاق ببلادهم من نير الروم، وما حل بهم من شدة البلاء، ففكهم من أسر الضيم الذي عانوه، ولم يتعرض لهم في عاداتهم بشئ البتة، وأمنهم على أموالهم وعيالهم وحمى بلادهم من هجمات المغيرين وعبث العابثين، وقد قاسوا الأمرين من جراء الانتصار لمعتقدهم في عهد الروم كما بينا.
ومما يذكر لعمرو بالشكر أن أنه كتب أمانا للبطريرق بنيامين ورده إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاث عشرة سنة، فسر هذا العمل البطريرق وشكر عمرا عليه.
سار بنيامين إلى الإسكندرية حيث أمر عمرو باستقباله بكل حفاوة وتعظيم، ولما قدم البطريرق ولقي عمرا ألقى على مسامعه خطابا بليغا ضمنه كل ما عن له من الاقتراحات التي رآها لازمة لحفظ كيان الكنيسة، فتقبلها عمرو ومنحه السلطة التامة على القبط والسلطان المطلق لإدارة شؤون الكنيسة.
وقد لاحظ (بطلر) أن عودة بنيامين إلى عرض الكنيسة قد كفاها شر الوقوع في أزمة خطيرة كانت لا محالة مؤدية بها إلى الاضمحلال والدمار.