كان ملكيا، ونميل إلى القول بأن المقوقس كان قبطيا يعقوبي المذهب من أصل يوناني، عينه (هرقل) لما رأى فيه من الحزم والنيل واحترام القبط له، وما اشتهر به من جميل الخصال وكريم الأفعال. وإذا كان ملكيا في الظاهر، ولكنه اعتذق الذهب اليعقوبي سرا، كي لا يعلم بذلك (هرقل) فينقم عليه، ويصب عليه جام غضبه، وإذا قيل إن البطريرق (بنيامين) فر من وجه المقوقس نفسه حين علم بعودته إلى مصر قبيل الاضطهاد الذي دام عشر سنين، فلا يبعد أن يكون المقوقس نفسه هو الذي أشار على (بينامين) بالالتجاء إلى أحد الأديرة كي ينجو من ظلم الروم.
والظاهر أن المقوقس لم يكن له من النفوذ والسلطان ونفاذ الكلمة ما يكفل له وقف هذه المذابح التي قام بها الروم حتى لا تنكشف حقيقة أمره فيمثل به (هرقل) رواية الغدر، لأن الروم كانوا يقتفون أثر من اشتهر بمخالقة مذهب خلقدونية أو عر ف بالميل إلى اليعاقبة أعداء هذا المذهب، ولا يبعد أن يكون (قيرس) والمقوقس شخصين مختلفين كما رأى أيضا دى غويه، فكان للأول السلطة العسكرية، وللثاني السلطة المدينة. وكان (قيرس) ملكيا متعصبا لمذهبه فقام بهذه الاضطهادات في جميع أنحاء الديار المصرية، ولم يكن للمقوقس وهو الحاكم الملكي للبلاد من النفوذ والقوة بحيث يتمكن من إيقاف بلك المذابح البشرية والاضطهادات المريعة. فلما رأى المقوقس توغل العرب في قلب مصر، وأن البلاد واقعة لا محالة في أيديهم، وأن سلطان الروم أصبح قاب قوسين أو أدنى من الزوال، سرعان ما اتجه بقلبه وقالبه إلى العرب، وعمد إلى ممالأتهم هو والقبط، لأنه كان له نفس طموحه.
هذه كلها فروض نفرضها، ولكنا لا نستطيع أن نزعم صحتها لنقص الأدلة التاريخية.