فان قيل: إذا كان أصل الخداع اظهار أمر، واضمار خلافه فيكون هو وخائنة الأعين سواء، فيصح ما استنبطه ابن القاص، لأنه لا فرق بينهما، فالجواب بأنهما ليسا سواء، وان اتفقا في المعنى، والفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الايماء والتلويح بالمرء ممن يحط من قدر فاعله ويسقط الهيبة، فلذلك منع منه صلى الله عليه وسلم لشرفه وكما منزلته، وأما الايهام في الأمور العظام كمكائد الحروب وخصوصا لأعداء الدين، فإنها معدودة من قبيل حسن السياسات، وكمال العقول، ونهاية المعارف فهي لا تزري بصاحبها بل تزيده رفعة. أشار إلى ذلك امام الحرمين، ويؤيده ما في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أراد سفرا ورى بغيره).
ويحتمل ان يفرق بوجه آخر، وهو ان الخداع المأذون فيه مخصوص بحالة الحرب وما قاربها، بخلاف (خائنة الأعين) فإنها في غير ذلك، فان القصة اتفقت في حالة المبايعة، وليست بحالة الحرب.
العشرون: وبتحريم الصلاة على من مات وعليه دين من غير ضامن ثم نسخ التحريم، فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده.
الحادية والعشرون: وبتحريم الاغارة إذا سمع التكبير: قاله ابن منيع.
روى الشيخان عن أنس (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فان سمع أذانا كف عنهم، وان لم يسمع أذانا أغار عليهم.
الثانية والعشرون: وبتحريم قبول هدية مشرك.
الثالثة والعشرون: والاستعانة به.
روى البخاري في تاريخه عن حبيب بن يساف - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجها فأتيته أنا ورجل من قومي، قلنا انا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال: (أو أسلمتما؟) قلنا: لا، قال: (انا لا نستعين بالمشركين على المشركين).
الرابعة والعشرون: وبتحريم الشهادة على جور.
روى الشيخان عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: سألت أمي أبي لي بعض الموهبة من ماله، ثم بدا له فوهبه لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة قال: (ألك ولد سواه؟) قال: نعم، قال: فأراه قال: (لا تشهدني على جور). وفي لفظ لهما فقال: (أكل ولدك نحلت) مثله؟ فقال: لا، قال: (فأرجعه).
وفي رواية لمسلم: (لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري). وظاهر هذا الحديث:
التسوية بين الأولاد في الهبة، ويحمل الامر في ذلك على الندب، والنهي للتسوية.