الثامنة عشرة: وبتحريم خائنة الأعين.
روى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، أمن الناس الا أربعة نفر منهم عبد الله بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به عثمان فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: أما منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا الخبيث؟ اني كففت يدي عن بيعته لتقتله، قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت بعينيك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين).
وروى ابن سعد نحوه عن سعيد بن المسيب مرسلا وقال في آخره: (الايماء خيانة ليس لنبي أن يومئ).
قال الرافعي: فسروا خائنة الأعين بالايماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وانما قيل له خائنة الأعين، لأنه يشبه الخيانة من حيث يخفي، ولا يحرم ذلك على غيره الا في محظور.
وقال ابن الأثير: معناها أن يضمر من نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين.
سميت خائنة الأعين أي: ما يخونون فيه مسارقة النظر إلى ما لا يحل، والخافية بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت بلفظ الفاعل كالعاقبة.
التاسعة عشرة: قيل وبتحريم أن يخدع في الحرب. قال ابن القاص، وخالفه المعظم لما رواه الشيخان عن جابر (رض قال:) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة). واختلف في ضبط قوله (خدعة) فقيل بفتح الخاء المعجمة، وضمها مع سكون المهملة فيهما، أو بضم أوله وفتح ثانيه.
قال النووي - رحمه الله تعالى -: اتفقوا على أن الأول أفصح. وحكى المنذري لغة رابعة، الفتح فيهما.
وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة، كسر أوله مع الاسكان، وأصل الخدع: اظهار أمر، واضمار خلافه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك.
وقال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها انما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. انتهى.