فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة، محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة " فامتنع عليهم كلهم وأبى من ذلك أشد الاباء رضي الله عنه وأرضاه.
ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها على وتركها له العباس بإشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان، كما رواه أحمد في مسنده. فاستمرت في أيدي العلويين.
وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبى بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم.
وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي، وأنها سلمت له ما قال. وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها.
فقال الإمام أحمد: حدثنا عفان; حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدى وأهلي. قالت:
فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن النبي لا يورث " ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق.
وقد رواه الترمذي في جامعه عن محمد بن المثنى، عن أبي الوليد الطيالسي، عن محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكره فوصل الحديث وقال الترمذي:
حسن صحيح غريب.