فاطمة رضي الله عنها، بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة، كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن على مجانبا لأبي بكر هذه الستة الأشهر، بل كان يصلى وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة.
وفى صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول:
يا بأبي شبه النبي * ليس شبيها بعلي؟
وعلى يضحك. ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر. والله أعلم.
* * * وأما تغضب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبى بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدرى ما وجهه.
فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا نورث ما تركنا صدقة " وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفى عليها قبل سؤالها الميراث، كما خفى على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك، ووافقنها عليه.
وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. كما سنبينه قريبا.