واستدلالهم بهذا باطل من وجوه.
أحدها أن قوله: " وورث سليمان داود " إنما يعنى بذلك في الملك والنبوة، أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبيا كريما كأبيه، وكما جمع لأبيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده.
وليس المراد بهذا وراثة المال، لان داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال مائة، فلم اقتصر على ذلك سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك، ولهذا قال: " وورث سليمان داود " وقال: " يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين " وما بعدها من الآيات.
وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة كثيرا.
وأما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الأنبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله، كيف وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده كما رواه البخاري، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله، أن لو كان له مال، وإنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السداد.
ولهذا قال تعالى: " كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " القصة بتمامها. فقال: وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " يعنى النبوة كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة.
وقد تقدم في رواية أبى سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم