فإنه حديث غريب جدا، تفرد به أحمد بن حنبل، وإسناده لا بأس به، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة وهو قوله: " فلم يعتمر ".
فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الافراد. وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده، فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به. ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته.
وسيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى. والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قائلا في مسنده: حدثنا روح، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، حدثنا ابن شهاب، أن عروة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع وساق معه الهدى، وأهل ناس معه بالعمرة وساقوا الهدى، وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا.
قالت عائشة: وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال]: من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ولا يحل منه شئ حرم منه حتى يقضى حجه وينحر هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قالت عائشة: فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته وأخر العمرة.
فهو حديث من أفراد الإمام أحمد، وفى بعض ألفاظه نكارة. ولبعضه شاهد في الصحيح، وصالح بن أبي الأخضر ليس من علية أصحاب الزهري، لا سيما إذا خالفه غيره كما هاهنا، في بعض ألفاظ سياقه هذا.