وهي الجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين البدنية والمالية في وقت واحد، حتى نزل القرآن الكريم بمدح القائم بهما، المسارع إليهما، قد اختص بها علي عليه السلام وانفرد بشرفها ولم يشاركه فيها أحد من الصحابة قبله ولا بعده.
أقول: صدقته بالخاتم في الصلاة أمر مجمع عليه لم يتفرد به الثعلبي رحمه الله ورحم الله ابن طلحة، فإنه قد جعل ذكر الثعلبي ما ذكره من قول أحمد بن حنبل بعد هذه القصة دليلا على علو مقدارها وشاهدا بارتفاع منارها وغفل عما أورده فيها من فرح النبي صلى الله عليه وآله بها وشدة أثرها في نفسه، وتحريكها أريحيته صلى الله عليه وآله حتى استدعت دعاءه لعلي عليه السلام لفرط سروره به، وانفعال نفسه لفعله، فإنها تشهد بعظم شأن هذه الفضيلة والقائم بها.
ومن ذلك ما أورده الثعلبي والواحدي وغيرهما من علماء التفسير أن الأغنياء أكثروا مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وغلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك واستطال جلوسهم وكثرة مناجاتهم، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر) فأمر بالصدقة أمام النجوى، فأما أهل العسرة فلم يجدوا وأما الأغنياء فبخلوا وخف ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وخف ذلك الزحام، وغلبوا على حبه والرغبة في مناجاته حب الحطام واشتد على أصحابه، فنزلت الآية التي بعدها راشقة لهم بسهام الملام، ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الاقدام.
وقال علي عليه السلام: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي آية المناجاة فإنها لما نزلت كان لي دينار فبعته بدراهم، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت حتى فنيت فنسخت بقوله: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية.