بنفسه والجبان قد انقلب على أعقابه وكشفه الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد فر من فر من أصحابه، وبذله روحه الغريزة رجاء ما أعد الله من ثوابه، فهي أمر قد اشتهر، وحال قد بان وظهر، وشاع فعرفه من بقى ومن غبر، وتضمنته الاخبار والسير، فاستوى في العلم به البعيد والقريب، واتفق على الاقرار به البغيض والحبيب، وصدق به عند ذكره الأجنبي والنسيب، فارس الاسلام وأسده، وباني ركن الايمان ومشيده، طلاع الأنجد والأغوار مفرق جموع الكفار، حاصد خضرائهم بذي الفقار، ومخرجهم من ديارهم إلى المفاوز والقفار، مضيف الطير والسباع يوم الملحمة والقراع، سيف الله الماضي ونايبه المتقاضي، وآيته الواضحة وبينته اللائحة. وحجته الصادعة، ورحمته الجامعة، ونعمته الواسعة، ونقمته الوازعة، قد شهدت بدر بمقامه وكانت حنين من بعض أيامه، وسل أحدا عن فعل قناته وحسامه، ويوم خيبر إذ فتح الله على يديه، والخندق إذ خر عمرو لفمه ويديه.
وهذه جمل لها تفصيل وبيان، ومقامات رضى بها الرحمان، ومواطن هدت الشرك وزلزلته وحملته على حكم الصغار وأنزلته، ومواقف كان فيها جبرئيل يساعده وميكائيل يؤازره ويعاضده والله يمده بعناياته والرسول يتبعه بصالح دعواته، وقلب الاسلام يرجف عليه وامداد التأييد تصل إليه.
نقلت من مسند أحمد بن حنبل عن هبيرة قال: خطبنا الحسن بن علي عليه السلام فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولم يدركه الآخرون بعمل، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعثه بالراية، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له، ومن حديث آخر من المسند بمعناه، وفي آخره: وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من