يسقى نخلا بشئ من شعير، فلما قبضه طحن ثلثه واتخذوا منه طعاما، فلما تم أتى مسكين فاخرجوا إليه الطعام وعملوا الثلث الثاني، فأتاهم يتيم فاخرجوه إليه وعملوا الثلث الثالث، فأتاهم أسير فاخرجوا الطعام إليه وطوى على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وعلم الله حسن مقصدهم وصدق نياتهم، وانهم إنما أرادوا بما فعلوه وجهه، وطلبوا بما أتوه ما عنده، والتمسوا الجزاء منه عز وجل فأنزل الله فيهم قرآنا، وأولاهم من لدنه احسانا ونشر لهم بين العالمين ديوانا، وعوضهم عما بذلوا جنانا وحورا وولدانا، فقال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) إلى آخرها، وهذه منقبة لها عند الله محل كريم، وجودهم بالطعام مع شدة الحاجة إليه أمر عظيم ولهذا تتابع فيها وعده سبحانه بفنون الألطاف وضروب الانعام والاسعاف وقيل: ان الضمير في حبه يعود إلى الله تعالى وهو الظاهر، وقيل: إلى الطعام واعلم أن أنواع العبادة كثيرة وهي متوقفة على قوة اليقين بالله تعالى وما عنده، وما أعده لأوليائه في دار الجزاء، وعلى شدة الخوف من الله تعالى وأليم عقابه نعوذ بالله منه.
وعلي عليه السلام القائل: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، فشدة يقينه دالة على قوة دينه، ورجاحة موازينه، وقد تظاهرت الروايات انه لم يكن نوع من أنواع العبادة والزهد والورع إلا وحظه منه وافر الأقسام، ونصيبه منه تام بل زائد على التمام، وما اجتمع الأصحاب على خير إلا كانت له رتبة الامام، ولا ارتقوا قبة مجد إلا وله ذروة الغارب وقلة السنام، ولا احتكموا في قصة شرف إلا وألقوا إليه أزمة الاحكام.
وروى الحافظ أبو نعيم بسنده في حليته ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي ان الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، هي زينة الأبرار