إلا قصر عمره وأطال ندمه، ولا جمع نفاق إلا فرقه، ولا بناء ضلال إلا هدمه وكان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة وثلاثا وعشرين تكبيرة بخمسمائة وثلاث وعشرين قتيلا من أصحاب السعير وقيل: إنه في تلك الليلة فتق نيفق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه وقيل: إن قتلاه عرفوا في النهار فان ضرباته كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قد أو عرضا قط وكانت كأنها مكواة بالنار قال كمال الدين بن طلحة فما تحلى بهذه المزايا والخلال ولا أبلى بلاؤه المذكور في النزال، ولا صدرت منه هذه الأفعال إلا عن شجاعة تذل لها الابطال، وتقل لديها الأهوال، ولا تقوم بوصفها الأقلام والأقوال، ولا يحتاج في تحققها أن يثبتها الاستدلال، وعلى الجملة والتفصيل، فمقام شجاعته لا ينال، وما ذا بعد الحق إلا الضلال ولما أسفر صبح ليلة الهرير عن ضيائه، وحسر الليل جنح ظلمائه، كانت القتلى من الفريقين ستة وثلاثين الف قتيل، هكذا نقله مصنف كتاب الفتوح ومؤرخ الوقايع التي نقلها بألسنة أقلامه، فهي في الرواية منسوبة إليه العهدة فيها عند تتبعها عليه، وهذه الوقايع المذكورة مع أهوالها الصعاب وصيا لها المصلى لظى الطعان والضراب، هي بالنسبة إلى بقايا وقايع صفين كالقطرة من السحاب، والشذرة من السخاب (انتهى كلام ابن طلحة) قلت: وفي صبيحة هذه الليلة استظهر أصحاب علي عليه السلام ولاحت لهم أمارات الظفر وعلائم الغلب، وزحف مالك الأشتر رحمه الله بمن معه حتى ألجأهم إلى معسكرهم، واشتد القتال ساعتئذ، ورأى علي عليه السلام أمارات النصر من جهة الأشتر فأمده برجال من أصحابه، وحين رأى عمرو بن العاص ذلك قال لمعاوية: انى أعددت لهذا الوقت رأيا أرجو به تفريق كلمتهم ودفع هذا الأذى المعجل، قال معاوية: وما هو؟ وقال: نرفع المصاحف (على رؤوس
(٢٥٥)