فهرت لحقدها، كادمة بأنيابها، عاضة بأسنانها قد شعلت بنار الحمية فطائفة تجهد في طاعتها وأخرى تدأب في عصيانها، قد صبرت هذه اتباعا لحقها وصدقها وتلك لباطلها وبهتانها، قاتلت هذه حسبة سبيل ربها وإمامها، وتلك في اتباع غويها وشيطانها، وهذه تعلن بتلاوة كتابها وترتيل قرآنها وتلك القاسطة تنادى بدعوى الجاهلية وأوثانها، والإمام عليه السلام قد باشرها بنفسه، فكم قتل من رجالها وأردى من فرسانها، وكم أنحى على كتيبة فما عاد إلا بعد تفريق جمعها وهد أركانها، ووصل بين الحزن وأهلها، وفرق بين رؤوسها وأبدانها، وشتت شمل اجتماعها، فجمع عليها بين وحوش الأرض وعقبانها فيالها من ليلة خرست فيها الشقاشق فلا تسمع إلا همهمة، وخشعت لها الأصوات فلا تحس إلا غمغمة، وعجزت بها الألسن عن النطق، فكان نطقها تمتمة وأرادت التقريع على فعالها فلم تستطعه فاعتاضت عنه زئيرا ودمدمة، وأظلم سواد حديدها وليلها وغبارها فعدت بليالي وسال بأرضها طوفان الدم، فسوى بين السافل والعالي، وأومضت في ظلمائها بوارق السيوف وبدور البيض وشهب العوالي، ودارت بها رحى الحرب فطحنت الأواخر والأوالي وانتصب مالك لتلقي روح المعادي، واستبشر رضوان بروح الموالى، وأمير المؤمنين فارس ذلك الجمع وأسده وإمامه ومولاه وسيده، وهادي من اتبعه ومرشده، يهدر كالفحل ويزأر كالأسد ويفرقهم ويجمعهم كفعله بالنقد، لا يعترضه في إقامة الحق وإدحاض الباطل فتور، ولا يلم به في إعلاء كلمة الله وخزي أعدائه قصور، يختطف النفوس ويقتطف الرؤوس ويلقى بطلاقة وجهه اليوم العبوس، ويذل بسطوة بأسه الأسود السود، والفرسان الشئوس ويخجل بأنواره في ليل القتام الأقمار والشموس، فما لقى شجاعا إلا وأراق دمه، ولا بطلا إلا وزلزل قدمه، ولا مريدا إلا أعدمه ولا قاسطا
(٢٥٤)