والحجج، أكرم من دب بعد المصطفى ودرج، الذي ما حوكم إلا وفلج، فارس الخيل، وسابق السيل، وراكب النهار والليل، تولى عليه السلام الحرب بنفسه النفيسة، فخاض غمارها واصطلى نارها، وأذكى أوارها، ودوخ أعوانها وأنصارها وأجرى بالدماء أنهارها، وحكم في مهج القاسطين بسيفه فعجل بوارها، فصارت الفرسان تتحاماه إذا بدر، والشجعان تلوذ بالهزيمة إذا زأر عالمة انه ما صافحت صفحة سيفه مهجة إلا فارقت جسدها، ولا كافح كتيبة إلا افترس ثعلب رمحه أسدها، وهذا حكم ثبت له بطريق الاجمال، وحال اتصف به بعموم الاستدلال، ولا بد من ذكر بعض مواقفه في صفين فكثرتها توجب الاقتصار على يسيرها، وكأين من حادثة يستغنى عن ثبوت طويلها بقصيرها.
فمنها: أنه خرج من عسكر معاوية المخراق بن عبد الرحمن وطلب البراز فخرج إليه من عسكر علي عليه السلام المؤمل بن عبيد الله المرادي فقتله الشامي، ونزل فحز رأسه وحك بوجهه الأرض وكبه على وجهه فخرج إليه فتى من الأزد اسمه مسلم بن عبد الله فقتله الشامي وفعل به كما فعل فلما رأى علي عليه السلام ذلك تنكر والشامي واقف يطلب البراز فخرج إليه وهو لا يعرف فطلبه فبدره علي عليه السلام بضربة على عاتقه فرمى بشقه فنزل فاحتز رأسه وقلب وجهه إلى السماء وركب ونادى هل من مبارز فخرج إليه فارس فقتله وفعل به كما فعل، وركب ونادى: هل من مبارز، فخرج إليه فارس فقتله وفعل به كما فعل، كذا إلى أن قتل سبعة فأحجم عنه الناس ولم يعرفوه، وكان لمعاوية عبد يسمى حربا وكان شجاعا فقال له معاوية ويلك يا حرب أخرج إلى هذا الفارس فاكفني أمره فقد قتل من أصحابي ما قد رأيت، فقال له حرب: والله انى أرى مقام فارس لو برز إليه أهل عسكرك لأفناهم عن آخرهم فان شئت برزت إليه واعلم أنه قاتلي وان شئت فاستبقني لغيره، فقال معاوية: لا والله ما أحب ان تقتل