في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أذنت وأقمت، والآن فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبيله وأنا لا أحب أن أؤذن لاحد من بعده، وأريد منك أن تأذن لي حتى أخرج فيما ينفعني، وتخلي سبيلي حتى أجاهد في سبيل الله فإن الجهاد أحب إلي من المقام، قال: فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ويحك يا بلال! إنما أعتقتك لوجه الله تعالى، ولم أرد بذلك جزاء ولا شكورا، وهذه الأرض ذات الطول والعرض بين يديك فاسلك أي فجاجها أحببت، قال فقال بلال: يا خليفة رسول الله! لعلك وجدت علي في مقالتي، فقال أبو بكر: لا والله يا بلال! ما وجدت عليك ولا أحب أن تترك هواك لهوائي لأني قد علمت أن هواك يدعو إلى الله وإلى طاعته، وإنما أحببت أن تقيم معي في المدينة للاذان، واعلم أني سأجد لفراقك وحشة شديدة ولا بد من الفراق (1)، فاعمل صالحا يا بلال يكن زادك من الدنيا، ويذكرك الله عز وجل ما حييت، ويحسن لك الثواب إذا قدمت عليه، فقال بلال: جزاك الله من ولي نعمة، وأخ في الاسلام خيرا! فوالله ما علمتك إلا تأمر بالصبر والمداومة (2) على طاعة الله وما كنت أؤذن لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم خرج بلال مع سعيد بن عامر في هذا الجيش (3). وأقبل سعيد بن عامر إلى أبي بكر ليودعه، وأبو بكر رضي الله عنه في ذلك الوقت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله)، فودعه أبو بكر رضي الله عنه ثم قال: يا معشر المسلمين! ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل وسلوه أن يصحب أخاكم هذا وأن يسلمه في طريقه، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما من عدة من المسلمين رفعوا أيديهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئا إلا استجابه الله لهم ما لم تكن معصية أو قطيعة رحم، قال: فعندها رفع المسلمون أيديهم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) - وهم أكثر من خمسين رجلا، فقالوا: اللهم احفظ إخواننا من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وارزقهم السلامة إنك على كل شئ قدير! قال: فقال سعيد: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما كنت أحب أن يدعى لي