إليه ثم قال (1): يا هاشم! إنا كنا فيما مضى ننتفع من الشيخ الكبير بمشورته ورأيه وحسن تدبيره وننتفع من الشاب الحدث ببأسه وصبره وبنجدته، وقد جمع الله لك هذه الخصال كلها، فأنت بحمد الله حدث السن شجاع القلب مستقبل الخير، فإذا لقيت عدوك غدا فاصبر وصابر، واعلم بأنك لم تخط خطوة ولم تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا تقطع واديا ولا يصيبك مخمصة في سبيل الله إلا كتب لك بها عمل صالح! إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
فقال هاشم: إن يرد الله بي خيرا يجعلني كذلك، وبعد يا خليفة رسول الله!
فإني (2) أرجو أن أقبل، فقال أبو بكر: وفقك الله للخير، يا هاشم! إنك سائر إلى أبي عبيدة بن الجراح وقد صحبك رجل من المعدودين في الجاهلية بالشجاعة والنجدة يقال له هلقام بن الحارث الأزدي، وأنا أوصيك به خيرا فإنه رجل يعد بألف فارس غير مدافع فلا تشكه في نفسك وألن له جانبك واخفض له جناحك، وقد صحبك أيضا رجل عظيم الشرف ذو بأس ونجدة وشدة وشجاعة وهو قيس بن هبيرة (3) فأحسن صحبته في طريقك ما استطعت، وإذا قدمت إلى أبي عبيدة فأقرئه مني السلام ومره أن يدنيه ويلطف به ويستعين برأيه فإنه رجل لا يملأ قلبه شئ، فقال هاشم بن عتبة: أفعل ذلك إن شاء الله عز وجل ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: ثم أقبل أبو بكر رضي الله عنه على قيس بن هبيرة فقال له: يا قيس!
إنك خارج مع هاشم بن عتبة وقد أوصيته بك وقد أمرته أن يأمر أبا عبيدة بالوصاة بك وإلا بمشورتك فإذا قدمت إن شاء الله فلا تعصين له أمرا فإنه لا يأمرك إلا بخير، وهو الأمير الذي إن ظلم له يظلم وإن أسئ إليه غفر وإن قطع وصل، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، وقد بلغني عنك أنك فارس مجرب وقد كان ذلك عنك في زمن الجاهلية، وليس في ذلك إلا الإثم والقطيعة للرحم، فاجعل بأسك اليوم في الاسلام (4) على من كفر بالله وعبد غيره، وقد جعل الله عز وجل في الجهاد الاجر العظيم.