رزق الاسلام (1) وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم وغزا معه في عشرين غزوة وقاتل في يوم حنين قتالا شديدا إلى أن مضى لسبيله، وأما عامر بن الطفيل فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم (2)، وأما هذا الفتى الهلقام فإنه لم يزل في ديار قومه ثم أسلم وبطئ عن القدوم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) حتى مضى لسبيله، ثم كانت الردة فلم يشهد شيئا منها، ثم قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وفد اليمن، فلما ندب أبو بكر الناس إلى حرب الروم كان هذا هلقام ممن انتدب مع سبعين رجلا من قومه وبني عمه فصار في جيش هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.
ثم رجعنا إلى الخبر الأول، فلما نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى كثرة من أجابه من المسلمين قال: الحمد لله على صنعه لهذه الأمة فإنه ما زال يرتاح لهم مدد من أنفسهم يشد الله به ظهورهم ويقصم به عدوهم.
قال: وجعل الناس يجتمعون إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حتى صار في قريب من ثلاثة (3) آلاف، فلما هم بالمسير أقبل عليه عمه سعد بن أبي وقاص فقال له: يا ابن أخي! إنك خارج في هذا الجيش ومعك سادات العرب فإياك والاستطالة على أحد منهم فلست أفضل من غيرك إلا بالتقى. وانظر إذا لقيت عدوك فلا تضربن ضربة ولا تطعنن طعنة ولا ترمين بسهم إلا وأنت تريد بذلك وجه الله عز وجل فإنك خارج من الدنيا وشكا (4) وراجع إلى دار الآخرة ولدار الآخرة خير للمتقين، فلم يصحبك من هذه الدنيا إلا قدم صدق قدمته، يا بن أخي، وعمل صالح قدمته (5) والسلام. قال هاشم بن عتبة: يا عم! إن تعديت وصيتك فإني إذا لمن الخاسرين، أتراني يا عم ارتحالي إلى عدوي ورواحي وبكوري وسعيي (6) وجلادي وضربي بسيفي وطعني برمحي رياء للناس! كلا يا عم! لا تظن بي هذا.
قال: فودعه عمه وأقبل إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليودعه فأوصاه وعهد