من الرأي، فرب رأى لك محمود (1) فاعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى وفكر في عواقب الأمور، واعلم بأنا عن قليل ميتون ومبعوثون ومحاسبون ومسؤولون، جعلنا الله وإياك منه على مدرجة اليقين، وحشرنا وإياك في زمرة المتقين، وجعلنا وإياك لأنعمه من الشاكرين، قال: ثم انصرف عنه أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين إلى المدينة، ومضى عمرو ومن معه يريدون الشام.
وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح (2): أما بعد! فقد أتاني كتابك وما ذكرك فيه من مسير العدو واجتماعهم، وما كتب إليهم ملكهم من عدته إياهم انه يمدهم من الجنود ما تضيق عليه الأرض بسعتها، ولعمرى لقد أصبحت الأرض ضيقة عليهم جدا لمكانكم، ووالله ما أنا بآيس من أن تزيلوا هرقل عن مكانه الذي هو فيه عاجلا إن شاء الله عز وجل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فثبت خيلك (3) واحزم أمرك وضيق عليهم بقطع الميرة عنهم، واعلم أنه ليس يأتيهم مدد إلا مددتك بمثله وأضعافه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله، وليس بكم - والحمد لله - ذلة ولا قلة، فبث خيلك في القرى وفي السواد، ولا تحاصرن مدينة من مدنهم حتى يأتيك أمري، ولكن انظر إن ناهضوك فانهض إليهم واستعن بالله عليهم، [واعلم بأنكم تقاتلون لله ويقاتلون للشيطان،] (4) وإن الله عز وجل فاتح عليكم ومظهركم على عدوكم ومعزكم بالنصر وملتمس منكم الصبر (5) لينظر كيف تعملون، وقد وجهت إليك عمرو بن العاص في جيش لجب، وعمرو قد علمت أنه من ذوي الرأي والتجربة والصبر والاقدام والجد والحذر وقد أوصيته أن لا يضيع لك حقا، فاستعن برأيه واستوص به خيرا - والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فلما ورد الكتاب على أبي عبيدة بن الجراح في مثل ذلك اليوم وقدم عمرو بن العاص في أصحابه على المسلمين في غد فسر به أبو عبيدة والمسلمون سرورا شديدا ثم أقبل إليه أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا أبا عبد الله! رب يوم شهدته