قال: فلما نظر العباس بن مرداس السلمي إلى هذا الغلام وقد قتل رجلا من بني عامر، ورجلا من بني عبس أقبل على رجل من فرسان بني سليم يقال له (حرشل بن زياد) فقال له: ويحك يا حرشل! واللات والعزى إني لأعلم أنه ما يقوم لهذا الغلام أحد سواك فإن رأيت أن تشفى صدور بني عمك منه فعلت منعما!
قال: فخرج حرشل بن زياد السلمي نحو الهلقام بن الحارث وفي يده حربة له كالشهاب فجعل يلعب بها ويقلبها وتحته فرس له أشقر وهو يرتجز، قال: فبدر إليه الهلقام بن الحارث وهو يرتجز، قال: والتقيا بطعنتين طعنه الهلقام [طعنة] قتله، ثم وقف في ميدان الحرب ثم دعاهم إلى البراز، فلم يزل يخرج إليه رجلا بعد رجل حتى قتل منهم بضعة عشر رجلا.
قال: وامتلأ القوم غيظا وغضبا وندموا على مجيئهم إليه وخشوا العار أن ينصرفوا عنه وهم فرسان وسادات من سادات العرب، ثم انهم هموا بالحملة عليه، قال: وأحس الغلام بذلك فقال: يا معشر العرب! أما تستحون من هذا الذي أزمعتم عليه؟ إن كنتم تريدون ذلك فارقبوا علي قليلا حتى أفرغ على سلاحي، فقال له عامر بن الطفيل: قد فعلنا ذلك فأته إلى ما تريد، قال: فقنع الغلام فرسه ومضى موليا نحو باب الخيمة فصاح وقال: يا أمه! هلمى سلاحي، ثم نزل عن فرسه والقوم قد أمهلوه وينظرون إليه فخرجت إليه بالدرع فأفرغته عليه وناولته ابنة عمه السيف وأعطته أخته عمامته فاعتجر بها، ثم تناول رمحه واستوى على فرسه كالبرق الخاطف، ثم أقبل نحو القوم، قال: ثم إنه حمل عليهم ففرق جمعهم وجعل يكر عليهم ويكرون عليه حتى أثخنوه بالجراحات، ثم حمل عليه عامر بن الطفيل والتقيا بطعنتين طعنه الهلقام طعنة نكسه عن فرسه وحمل عليه عنترة بن شداد ليطعنه فكبا بعنترة فرسه فإذا هو في الأرض، فانهزم الباقون من بين يديه وفيهم العباس بن مرداس السلمي.
قال: وصاح الهلقام بغلمانه فأقبلوا إليه يحصرون فقال: دونكم هذين الكلبين فاكتفوهما، قال: فكتف عامر بن الطفيل وعنترة بن شداد.
قال: ومر الهلقام في طلب القوم فإذا هم يسوقون الغنائم سوقا عنيفا، فلما نظروا إليه قد وافاهم رجعوا عنها، فجاولوه وفجاولهم وطاعنوه وطاعنهم وجرحوه وجرحهم، ثم قال: واللات والعزى وحق أنصار اليمن لا رجعت عنكم دون أن أقتل أو أبيدكم أو تدفعون إلى العباس بن مرداس أسيرا! وإذا فعلتم ذلك رجعت عنكم