عامر بن الطفيل العامري، وعنترة بن شداد العبسي، والعباس بن مرداس السلمي، وكانوا مولعين بالغارة على أحياء العرب. قال: فاجتمعوا على ذلك ثم إنهم خرجوا وخرج معهم ألف رجل من أخيار قيس وشجعانهم فلم يزالوا يسيرون، فلم يأتوا على حي من أحياء العرب إلا أبادوهم، وأوجعوهم بالأسر والقتل يذلون العرب ما يفلت منهم أحد إلا مأسورا أو مقتولا أو مفلولا أو مغلوبا. قال: فجمعوا من الغنائم ما لم يجمعه أحد في عمره، ثم إنهم أتوا أجمعين يريدون بلادهم فجعلوا يفتخرون بما صنعوا بالناس، ويقولون في ذلك الأشعار ويذكرون جلادتهم، وصبرهم في الحرب، وقتلهم الأبطال، وأخذهم الأموال. قال: فأول من تكلم منهم وفخر بقومه عامر بن الطفيل العامري، قال: ثم تكلم العباس بن مرداس السلمي، قال: ثم تكلم عنترة بن شداد وفخر بقومه.
قال: فلم يزالوا سائرين بالغنائم والأموال حتى نزلوا واديا قريبا من أرض اليمن يقال له ((السلي)) (1) فلما استقر بهم الموضع نظروا فإذا هم بخيمة قد لاحت لهم قريبة منهم، فأرسلوا ثلاثة نفر من أصحابهم لينظروا ما هي ومن فيها، فأقبل ثلاثة نفر إلى الخيمة فإذا هم بعجوز قاعدة فكلموها فلم تكلمهم، فقال أحد الثلاثة لصاحبه:
أنزل عن فرسك فانظر من في هذه الخيمة، فنزل ومشى نحو باب الخيمة، فصاحت به العجوز: وراءك! فلم يفعل حتى صار إذا قريبا من باب الخيمة فوثبت إليه العجوز فضربت بيدها إلى جنبه ثم رفعته فضربت به الأرض فإذا هو ميت، فنزل الثاني ومضى إلى صاحبه فنظر إليه ميتا فلم يرجع لكنه مشى نحو الخيمة، فصاحت به العجوز: وراءك قليلا لا ألحقك بصاحبك، فلم يفعل ودنا من باب الخيمة فرفعت العجوز يدها ووكزت في صدره وكزة فإذا هو قد خر ميتا، فلما رأى الثالث انصرف إلى أصحابه فخبرهم بذلك.
قال: فركب عامر بن الطفيل والعباس بن مرداس وعنترة بن شداد في قريب من مائة فارس من أبطال قومهم وخلفوا الباقين من أصحابهم عند الغنائم والأمتعة، فلما نظرت العجوز إلى هؤلاء المائة قد أقبلوا صاحت وقالت في صيحتها: يا هلقام!