الحزم، الحزم، قال: فاقشعر القوم من صيحة العجوز وإذا بجارية قد أطلعت رأسها من الخيمة كأنها القمر في ليلة البدر حسنا وجمالا فقالت: يا هؤلاء! انصرفوا من حيث جئتم من قبل أن يأتيكم الليث الهصور، قال: فضحك عامر من تهديدها إياهم ثم أقبل على العباس بن مرداس فقال: ويحك يا عباس! ما أظن العرب والعجم ولدت مثل هذه الجارية فانزل إلى هذه الجارية فإما تقتل وإما نعينك، فقال العباس: وإن قلت هذا وافتخرت فأنت قد قلت وهذا عنترة أيضا قد قال، وهذا وقت يختبر فيه الأبطال فانزل يا عامر ويا عنترة وأنا معكما.
قال: فبينما هم كذلك في المحاورة وإذا هم بغلام أمرد قد طلع عليهم من شعب في ذلك الوادي كأنه الشمس الطالعة بهاء وجمالا وحسنا على فرس له أدهم أغر محجل وفي يده رمح يجره من طوله وفي رأس الرمح سنان كأنه شعلة نار، وللغلام ذؤابة قد سقطت على عجز الفرس وعليه قميص وإزار ومعه ثلاثة عبيد له سود يمشون بين يديه، فلما نظر إلى الخيل قد أحدقت بباب الخيمة جعل يزئر كالليث المغضب عند فريسته وهو في ذلك.
قال: ثم دنا من القوم فقال: ما بغيتكم؟ فلا واللات والعزى ما عندي إلا شويهات يسيرة وعشرة من الإبل وثلاثة أفراس وسلاحي وعبيدي هؤلاء وأمي وأختي وأهلي هي بنت عمي! فانصرفوا عني ولا تهيجوني، فإن كنتم قد حدثتكم أنفسكم وظننتم أنكم تأخذون مني شيئا فبئس ما ظننتم، فقال عامر بن الطفيل: من أنت يا غلام؟ قال الغلام: أنا الهلقام بن الحارث بن معمر بن النضر بن خليد الأزدي أحد بني العتيك بن الأزد وابن عمي سبرة بن قرة فارس العنقاء الذي أغار على أحياء العرب فأسر ثم أطلقهم بعد ذلك عن مقدرة، فقال عامر بن الطفيل: فكيف اخترت هذا الوادي فنزلته منقطعا عن الناس؟ فقال: إني جنيت في قومي جناية، قتلت منهم فرحلت عنهم بأختي وأمي وأهلي ومالي حتى نزلت هذا الوادي فقلت: أكون فيه مقيما إلى أن ترضى بنو عمي فيصفحون عن دم قتيلهم ثم أعود إليهم، ولكن خبروني من أنتم؟ فقال له: أنا عامر بن الطفيل العامري، وهذا عنترة بن شداد العبسي، وهذا العباس بن مرداس السلمي ومع كل واحد منا وجوه قومه وأشراف عشيرته.
قال: فتبسم الغلام ضاحكا ثم قال: والله! ما كنت بالذي أبالي بكم ولو كان معكم ابن عمي عمرو بن معدي كرب الزبيدي فإنه أشد منكم جأشا، وأجرأ منكم جنانا، وأشجع منكم قلبا، ولقد أقررتم له بذلك عند النعمان بن المنذر وخضعتم له