وفي يدها اليسرى جام من فضة مملوء بماء الورد على رأسها طائر أبيض كأنه الثلج بياضا، حتى وقفت بين يدي جبلة، ثم صفرت للطائر فانفض من فوق رأسها حتى سقط في جام ماء الورد، فأخذ ما فيه بريش ذنبه وجناحه، ثم صفرت ثانية فطار حتى سقط في جام المسك والعنبر فأخذ ما كان فيه، ثم صفرت ثالثا فطار الطائر حتى سقط على صليب في تاج جبلة، ثم جعل يذر ما بريشه وجناحيه على تاج جبلة ورأسه ووجهه ولحيته، ثم رجع إلى موضعه وتنحت الجارية.
ثم دعا جبلة بكأس عظيم مترع بالخمر فشربه، فلما استوفاه التفت إلى الجواري اللاتي كن عن يمينه فقال لهن: هاتن فأطربنني، قال: فخطفن (1) عيدانهن فاندفعن بصوت واحد. قال: وكان جبلة كلما سمع بيتا من الشعر (2) فرح واستبشر وتهلل وجهه ثم قال: لله در قائل هذا الشعر! ولله موضع قوم وصف.
قال: ثم دعا بكأس مترع من الخمر فشربه، فلما استوفاه التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: هاتن فأحزنني، قال: حركت الجواري. أوتار عيدانهن وأمسكن من ضرب عيدانهن، فبكى جبلة حتى تحدرت دموعه على لحيته وخده، وإذا بجارية قد أقبلت ومعها منديل من ديباج أو حرير فمسحت وجهه ولحيته ثم تنحت.
قال حذيفة: فأقبل علي جبلة فقال: يا حذيفة! أتعرف هذه المنازل اللاتي ذكرن هؤلاء الجواري؟ (3) قال فقلت: أعرف بعضها وأنكر بعضها، فقال: هذه والله منازلنا (4) بالغوطة من أرض دمشق! ولكن هل تعرف الشعر الأول والثاني؟
فقلت: لا، قال: هذا شعر حسان بن ثابت الأنصاري، كان كثيرا ما يزورنا في