فعلت بهذا الرجل؟ قال: يا أمير المؤمنين! إنه اعتمد حل إزاري ليبدى سوأتى، ولو لا حرمة (1) هذا البيت لضربته بسيفي، فقال له عمر: أما أنت فقد أقررت بما فعلت ولكن أرض الرجل في حقه وإلا أقدته منك، قال جبلة: أو تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم والله أفعله، قال جبلة: إنه رجل من السوقة وأنا ملك ابن ملك، والله لقد ظننت أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية، قال فقال له عمر: إن الاسلام وعدله بخلاف الجاهلية فأرضه من نفسك، قال جبلة: فإن لم أرضه؟ قال عمر: فإن لم ترضه أمرته أن يهشم أنفك كما هشمت أنفه قصاصا كما فعلت. فإن الاسلام جمعك وإياه، فما تفضله بشئ إلا بالتقوى. قال: فلما رأى جبلة أن عمر لا يأبى إلا القصاص لم يجدا بدا من الاستخذاء في وقته ذلك فقال (2):
نعم يا أمير المؤمنين! غير أني ناظر في أمري ليلتي هذه، فقال عمر: ذلك إليك.
قال: فانصرف جبلة يومه ذلك، فأقبلت الأنصار إلى عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين! نحن نرضي هذا الفزاري عن جبلة فإنه رجل من سادات غسان، ونحن نقتدي هذه اللطمة، فقال عمر: والله! لا يقتص الفزاري إلا من جبلة.
قال: فانصرف الناس عن عمر رضي الله عنه، حتى إذا نامت العيون وسكنت الحركات خرج جبلة في قومه الذين قدموا معه وهم سبعون ومائة (3) إنسان ومضى متوجها نحو الشام، فأصبحت مكة منه ومن بني عمه بلاقع.
قال: ومضى جبلة في قومه الذين قدموا معه إلى بني عمه الذين هم بالشام مقيمون، فخبرهم بذلك ثم أمرهم بالرحيل معه، فرحل القوم وهم خلق كثير، فسار بهم جبلة حتى دخل بهم بلاد الروم ثم أقبل قاصدا إلى القسطنطينية، فدخل على هرقل ملك الروم فتنصر هو وجميع من كان معه من بني عمه، قال: ففرح به هرقل فرحا شديدا ورأى أنه فتح فتحا عظيما، ثم إنه أقطعه وأقطع بني عمه حيث شاؤوا من أرض الروم، ثم إنه جعل جبلة من خواصه ووزيره وصاحب أمره، فأقام جبلة عند