ملك الروم في أرفع المنازل وأجلها.
قال: ودعا عمر بن الخطاب بحذيفة بن اليمان فكتب معه كتابا إلى ملك الروم يدعوه إلى دين الاسلام ويرغبه فيه.
قال: فسار حذيفة (1) من المدينة إلى الشام، ثم صار من أرض الشام إلى أرض الروم، قال: وعلمت الروم أنه رسول فكانوا يبذرقونه من موضع إلى موضع حتى بلغ إلى القسطنطينية، ثم دخل على هرقل فدفع إليه الكتاب وأبلغه رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأبى هرقل أن يجيب إلى شئ من ذلك، ثم أقبل على حذيفة فقال له: يا عربي! هل أتيت ابن عمك هذا الذي جاءنا راغبا في ديننا زاهدا في دينكم؟ فقال حذيفة: لا ما أتيته بعد، فقال هرقل: فأته فانظر إلى ما هو عليه، فلعل قلبك يصبو إلى ما صبا إليه.
قال حذيفة: فخرجت من عند هرقل حتى أتيت باب جبلة فلم أكن رأيت بباب هرقل ما رأيت بباب جبلة من العبيد والحشم، ثم استأذنت عليه فأذن لي فدخلت عليه فإذا هو جالس على سرير من جوهر الزجاج وللسرير أربعة أركان من الذهب وأربع قوائم من الفضة، وعلى رأسه تاج من الذهب كثير الزبرجد والياقوت، قال:
وإذا هو أصهب ذو سبال (2) وعثنون طويل، وإذا قد وخطه الشيب، وقد أمر بالذهب الأحمر فسحل (3) ورمي في لحيته، وقد استقبل عين الشمس بوجهه، فما رأيت منظرا أبهى ولا أحسن منه.
قال حذيفة: فلما رآني حياني ورحب بي وأدناني، ثم إنه عاتبني على تركي النزول عليه، ثم سألني عن أمر الناس وألح علي في المسألة عن عمر بن الخطاب خاصة، فجعلت أخبره بما أرجو عطفه ورجوعه إلى دين الاسلام، قال: فرأيته وقد تنفس الصعداء وعرفت الحزن في وجهه. ثم قال: اجلس يا حذيفة! فجلست على شئ لم أتبينه بديا، فلما تأملت فإذا هو كرسي من ذهب، قال: فانحدرت عنه، وتبسم جبلة ثم قال: إذا طهرت قلبك فلا تبال ما لبست وعلام جلست، قال فقلت: