منها بعد إذ فرقت بينكما فإنه إن بلغني عنك ذلك رجمتك، فقال الجذامي: قد قبلت وصيتك يا أمير المؤمنين.
قال: ثم سار عمر من هنالك حتى صار إلى وادى القرى، (1) فلما نزل هنالك أقبل إليه أهل البلد فقالوا: يا أمير المؤمنين! عندنا ههنا امرأة قد كنا نعرف لها زوجا واحدا وكان شيخا كبيرا واليوم لها زوج آخر، وهما جميعا يغدوان إليها ويروحان، قال: فتبين الغضب في وجه عمر رضي الله عنه ثم قال: علي بهما وبالمرأة، فأتي بهم فلما وقف الرجلان بين يدي عمر سأل عن دينهما فقالا:
مسلمان، قال: فالمرأة؟ قالا: مسلمة، قال: فما الذي بلغني عنكما وعن هذه المرأة أنكما جميعا تغدوان إليها وتروحان؟ أما علمتما أن هذا عليكما حرام؟ فقالا:
لا والله ما علمنا أن هذا حرام علينا، فقال عمر للمرأة: أيهما زوجك الأول؟
فقالت: هذا الشيخ، فقال له عمر: ويحك يا شيخ! ما حملك على ما صنعت وما هذا الامر القبيح لم أسمع ببر ولا فاجر فعل مثله؟ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين! أنا شيخ كبير كما ترى وقد ضعفت ورق جلدي ودق عظمي، وكانت لي إبل كثير فضعفت عن رعيها وسقيها ولم يكن لي ولد ولا أحد أتكل عليه وأثق به في أمرها، فجاءني هذا الشاب يسألني أن أجعل له معي في هذه المرأة نصيبا يكون له يوما وليلة ويكفيني رعي إبلي وسقيها، فقلت في نفسي: هذا رجل له على الرعي والسقي قوة وجلد وأنا ضعيف لا أقدر على ذلك، فكان يكفيني رعي إبلي وله من المرأة ما خبرتك، فإذ قد خبرتني أنه حرام فإني لا أعود إلى ذلك ولا أفعله أبدا، فقال له عمر: أيها الشيخ! خذ امرأتك فإنها لك وليس لاحد معك فيها نصيب ولا له عليها سبيل، قال: ثم أقبل عمر رضي الله عنه إلى الشاب فقال: أما أنت فقد حلفت أنك لم تعلم أن هذا عليك حرام ولكن انظر ما آمرك به، إياك أن يبلغني عنك أنك نازلت هذا الشيخ على ماء من المياه! فوالله لئن بلغني أنك نازلته على ماء أو دنوت من هذه المرأة بعد هذا اليوم لأضربن عنقك، قال فقال الفتى: لست أنزل معهم ولا أقربهم يا أمير المؤمنين.
قال: ورحل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وادي القرى حتى صار إلى المدينة وتلقاه المسلمون يهنئونه بقدومه وسلامته وما أفاء الله عز وجل عليه من أمر فلسطين وما والاها.