وبين كل فارس رامح وناشب، فجعلوا يزحفون نحو المسلمين والمسلمون يتأخرون عن نشابهم.
قال: ثم صاح خالد بن الوليد: يا أهل الاسلام! هذا يوم له ما بعده من الأيام وإن كان القوم في ستين ألفا والرجل منكم يحتاج إلى رجال منهم فغضوا أبصاركم وأقدموا على عدوكم ولا تتشاغلوا عنهم بسلب ولا غنيمة فعند الله مغانم كثيرة.
قال: ثم تقدم عمرو بن سعيد وكان من أفاضل الناس وفرسان المسلمين حتى وقف بين الجمعين ثم رفع صوته وقرأ ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار * ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير﴾ (1) يا أيها الناس اطلبوا الجنة فإنها نعم المأوى ونعم القرار ولنعم دار الأبرار؟ ولمن هي يا قوم؟ هي والله لمن شرى نفسه وقاتل في سبيل الله! ثم نادى بأعلى صوته: إلي إلي يا أهيل الاسلام! فأنا عمرو بن سعيد! ثم حمل هذا عمرو على الروم فقاتل قتالا حسنا، ثم رجع إلى المسلمين وقد أصابته ضربة على حاجبه الأيمن والدم يسيل من الضربة حتى ملأت عينه، فلم يستطع أن يفتح جفن عينه من الدم، فقال عبد الله بن قرط الثمالي: أبشر يا ابن أبي أجنحة (2)! فإن الله معافيك من هذه الضربة وموجب لك بها الجنة ومنزل نصره عليك وعلى المسلمين إن شاء الله، قال: فقال عمرو بن سعيد: أما النصر على الاسلام وأهله فقد أنزله الله تبارك وتعالى إن شاء الله، وأما أنا فجعل الله هذه الضربة شهادة وأهدى (3) إلي مثلها أخرى، فو الله إن هذه الضربة أحب إلي من مثل جبل أبي قبيس ذهبا أحمر! قال: ثم حمل عمرو بن سعيد هذا فلم يزل يقاتل حتى قتل - (4) رحمة الله عليه.
قال: ثم تقدم خالد بن الوليد ومعه نخبة عسكر أبي عبيدة حتى وقف في القلب