نعم، أنا أميرهم فتكلم بحاجتك، فقال له العلج: يا هذا! فما يجلسك على التراب؟ فقال: أريد التواضع لربي، فقال: يا شيخ! أرأيت لو كنت جالسا على بساط أو على وسادة أكان ذلك واضعا لك عند ربك؟ فقال له أبو عبيدة: يا رومي!
إن الله عز وجل لا يستحي من الحق، والله ما أملك وسادة ولا بساطا ولا أملك إلا درعي هذا الذي تراه علي وسيفي ورمحي وقوسي وكنانتي! ولقد احتجت إلى نفقة فلم تكن عندي حتى استقرضت من بعض أصحابي (1)، وبعد فلو كان لي بساط لما جلست عليه، ونحن عباد الله! نمشي على الأرض ونجلس على الأرض وننام على الأرض ونأكل على الأرض، وليس ذلك لنا عند ربنا بناقص، لا بل يعظم الله عز وجل بذلك أجورنا ويرفع به قدرنا (2) ويوجب لنا به المزيد فيما عنده في الآخرة!
فتكلم بحاجتك يا رومي وبما أرسلت به إلينا، فقال الرومي: نعم إنه ليس شئ أحب إلى الله من الاصلاح، ولا شئ أبغض إلى الله من الإفساد، وقل ما بغى قوم وأفسدوا إلا عمهم الله تعالى منه بهلاك وضلال، وقد أتيتكم أعرض عليكم أمرا لكم فيه الحظ إن قبلتموه! فقال أبو عبيدة: وما ذاك الحظ يا رومي؟ فقال: إن شئتم نعطي كل واحد منكم دينارين زيوف (؟)، ونعطي الفارس خمسة دنانير وثوبى بزيون (؟)، وأنت أمير القوم نعطيك ألف دينار، ونعطي الأمير الذي كان من قبلك خمسمائة دينار - يعني خالد بن الوليد - ونعطي الامراء والاجناد مائتي دينار، ونبعث إلى صاحبكم عمر بن الخطاب بألفي دينار على أن تخرجوا من بلادنا وتنصرفوا عنا، وإن شئتم أعطيناكم أرض البلقاء وما والاها من بلاد الأردن وتنصرفون عنا وعن بقية أرضنا ومدائننا سالمين معافين بعد أن نكتب بيننا وبينكم كتابا يستوثق فيه بعضنا من بعض، فهذا ما عندنا، فهات ما عندك يا شيخ! فقال أبو عبيدة: فإني أخبرك ما عندي يا رومى! إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا رسولا وأنزل عليه كتابا جعله رحمة للعالمين وحجة على الكافرين، وقد كان أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: إذا لقيتم الذين كفروا فادعوهم إلى الايمان بالله ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله، فمن أجابكم منهم إلى دينكم (3) فهو أخوكم في دينكم وشريككم في حظكم، له ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى منهم الايمان فأعرضوا عليه إذا الجزية حتى يؤديها عن