لذلك، وجاء غلام من غلمان يزدجرد وقال: تنح! فلم يتنح، والمغيرة يومئذ عليه ثياب العرب ودراعه من فوق ثيابه وهو مقلد بسيف له وسوطه معلق في يده وعليه برد له يمانية وقد اتشح بها من فوق ثيابه وكان المغيرة قال لأصحابه: من يكلم هذا الملك إذا دخلنا إليه؟ قالوا له: اكفنا أمره والكلام معه.
فعزم المغيرة على ذلك وجعل يزدجرد ينظر إلى البردة التي على المغيرة وكانت بردة يمانية مثمنة، فقال يزدجرد لترجمان له قائم بين يديه يقال له عبود فكلمه بالفارسية وقال: ما اسم هذا الثوب الذي على هذا الرجل؟ قال: أيها الملك اسمه برد، فتطير يزدجرد من ذلك، ثم قال: بردند جهان را - يرددها، فأقبل المغيرة على رجل قائم بين يديه من الفرس فقال: ملككم هذا يفهم عني ما أقول وإلا فأتوني بترجمان يؤدي عني ما أقول، قال: وكان يزدجرد فصيحا بالعربية فقال له:
يا هذا! فأنت من فصاحتك وإعجابك بنفسك جلست معي على سريري بغير إذني!
قال له المغيرة: وما الذي أنكرت من ذلك؟ قال: أنكرت من ذلك أنك أنت الداخل علي في مجلسي، إنما يجب عليك أن تجلس في الموضع الذي آمرك به، فقال المغيرة: صدقت وإن جلوسي معك على سريرك لم يزدني شرفا ولكنني لم أجد لنفسي موضعا أرتفع عليه إلا هذا، فذر عنك هذا وتكلم أنت بما تريد، قال: فأقبل عليه يزدجرد فقال (1): أما أنكم يا معشر العرب كنتم تأتون بلادنا هذه ما بين وافد وتاجر وابن سبيل، وكنا نحسن إليكم فتأكلون من طعامنا وتشربون من شرابنا العذوب وتلبسون من لباسنا اللين، ثم إنكم حسدتمونا على ذلك، فانطلقتم إلى قومكم فجئتم بهم لتضايقونا في نعمتنا وتضادونا في ملكنا! ما أعرف لي ولكم مثلا إلا [مثل - (2)] رجل كان له كرم فدخل ثعلب فأكل منه وأفسد، فلما رأى الثعلب أنه ليس له مانع خرج فجمع الثعالب ثم أقبل بها إلى الكرم، فلما رأى صاحب الكرم تلك الثعالب سد عليها أبواب الحجر ثم دخل عليها فقتلها عن آخرها، فهذا مثلي ومثلكم، ولو أردت أن أفعل بكم بذلك لفعلت غير أني أعلم أنما حملكم على المصير إلى بلدي هذا ما أنتم عليه من الجوع والجهد والبؤس والضنك، فإن كان ذلك كذلك فخبروني حتى أحسن إليكم وأوقر إبلكم هذه التي معكم طعاما (3) وكسوة وزادا