قال: ثم حمل أبو عبيدة وحمل الناس معه وانكشفت الروم من بين أيديهم كشفة قبيحة وأخذهم السيف فقتل منهم جماعة، ثم انهم وقفوا ونعروا وتراطنوا بينهم بالرومية ثم حملوا على المسلمين فخالطوهم واقتتلوا ساعة، ثم تراجعت الروم إلى ورائها وتقدم إليهم المسلمون بالتكبير والتهليل، فكان الرجل من المسلمين يتقدم فيقاتل، فإذا أعيي أو جرح رجع إلى ورائه، وربما قتل.
قال: وتقدم قيس بن هبيرة المرادي نحو القوم، قال: ثم حمل على جميع الروم فلم يزل يطاعن حتى انكسر رمحه، ثم رجع إلى المسلمين فطلب رمحا فأعطى ثم حمل على الروم فلم يزل يطاعن فيهم حتى كسر رمحه، ورجع إلى المسلمين حتى أخذ رمحا ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى انكسر رمحه وتثلم سيفه، فقيل: إن قيس بن هبيرة المرادي هذا كسر في ذلك اليوم عشرة رماح وانقطع في يده سفيان (1)، وقتل من الروم جماعة ما فيهم إلا فارس مذكور، وجرح منهم نيفا على ثلاثين رجلا، وأصابته سبع وأربعون جراحة وسلم فلم يقتل.
قال: ثم نادى خالد بن الوليد: أيها الناس! كونوا في جوار الله رغبة منكم عن هذه الدنيا وما فيها فإنها إلى فناء وزوال، ولا تخاذلوا ولا تواكلوا ولا تفشلوا عن أعداء الله، وأقدموا على الكافة كإقدام الأسود الضارية، ولا يكن أعداء الله على باطلهم أصبر منكم على حقكم، واطلبوا بإقدامكم عليه من الله الثواب الكريم والأجر العظيم، ألا! وإني حامل فمن شاء فليتبعني ومن شاء فليتخلف عني.
قال: ثم حمل خالد بن الوليد وحمل معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في زهاء ألف رجل من أهل الصبر واليقين، فنقضوا تعبية الكفار وكسروا صفوفهم بعضها على بعض، ثم وقف المسلمون ينظرون إليهم أيرجعون أم لا. قال: وإذا الروم في وقتهم ذلك أشد ما كانوا كلبا على المسلمين.
ثم إنهم تراجعوا في تعبية خلاف التعبية التي كانت لهم في أول النهار، ثم جعلت صفوفهم تقدم بعضها بعضا وهم ثمانية (2) صفوف، بين كل رجلين فارس،