وأحسن إليكم جهدي وطاقتي وتنصرفون إلى بلادكم سالمين، وإن كنتم إنما قصدتم بلدي هذا لزوال ملكي فأعلموني ذلك حتى أبغي لكم الغوائل وأنصب لكم الحبائل.
قال: فقال المغيرة بن شعبة: أفرغت من كلامك؟ قال: نعم، فقل ما أحببت، فقال المغيرة: إنك لم تذكر شيئا من البؤس والضنك والجهد إلا وقد كنا في أعظم منه، وذلك إنا كنا نأكل الميتة والضب والقنافذ وأشباه ذلك، وكان (1) أحسننا حالا الذي يثب على ابن عمه فيقتله ويأخذ ماله، وكان لباسنا مما يخز من أغنامنا وإبلنا فتغزله لنا نساؤنا وتنسجه، فمنه لباسنا، فكنا كذلك لا نعرف حلالا ولا ننكر حراما حتى بعث الله عز وجل نبينا محمدا مباركا هدانا به من الضلالة وبصرنا به من الجهالة وأنزل إليه كتابا سماه قرآنا عربيا بين فيه الحلال والحرام والبراء من الآثام، صدقه منا مصدقون وكذبه منا مكذبون، فقاتل المكذبين بالمصدقين، حتى دخلوا في دينه طائعين وكارهين (2)، وقد كان خبرنا قبل وفاته بكل البلاد التي يفتحها الله عز وجل على أيدينا، وإن بلدك منها وقصرك، وإنا نعرض عليك خصالا ثلاثا فاختر أيهن شئت. قال يزدجرد: قل حتى أسمع، قال له المغيرة: أما واحدة فتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا أنت قلتها أقررناك في بلدك وانصرفنا عنك، لا يدخل بلدك هذا أحد إلا باذنك، وعليك الخراج الخمس والزكاة تؤديها إلى بيت مال المسلمين، وإن أبيت ذلك فأداء الجزية عن يد وأنت صاغر وأعتق منا دمك، وإن أبيت ذلك فأذن بحرب من الله ورسوله وجهاد في سبيله، قال: فقال له يزدجرد: أما! إني قد فهمت كلامك، ولكن خبرني ما الصاغر؟ فإني لا أعرف الصاغر من كلامكم، قال: الصاغر أن تؤدى الجزية وأنت قائم والسوط على رأسك.
قال: فغضب يزدجرد ثم قال: ما ظننت أن أعيش حتى أسمع من أمثالكم هذا، أما! إني قد كنت عزمت على بركم والاحسان إليكم في وقتي هذا، فلما إذ تلقيتموني بمثل هذا الكلام فما لكم عندي إلا التراب (3)، قال: ثم رفع رأسه إلى