كائد وبغى كل باغ، وأن ينصرنا نصرا عزيزا، وأن يفتح الله لنا منه فتحا مبينا، وأن يجعل لنا منه سلطانا نصيرا - والسلام عليك ورحمة الله وبركاته -.
ثم طوى أبو عبيدة الكتاب وختمه ودفعه إلى الفيج ونهض إلى الروم في خيله ورجله، ونظرت الروم إلى خيل المسلمين وكثرة جمعهم فكأنهم كاعوا عن حربهم يومهم ذلك ورجع الفريقان بعضهم عن بعض.
ومضى الفيج فجعل يسير سيرا عنيفا حتى قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما دفع إليه الكتاب وقرأه أقبل على الفيج وقال: ويحك! فهل علمت أو بلغك من أمر المسلمين بعد خروجك عنهم؟ فإن أبا عبيدة خبرني في كتابه هذا أنه نهض إلى القوم حين دفع إليك الكتاب. قال: فقال الفيج: نعم يا أمير المؤمنين!
إني لم أبرح حتى رجع القوم بعضهم عن بعض ولم يكن بينهم قتال، وذلك أن الروم كاعوا فلم يحاربوهم ورجع المسلمون عنهم إلى معسكرهم. قال: فأنت ما حبسك عندهم وقد دفع إليك الكتاب أبو عبيدة وأمرك أن تعجل به علي؟ (1) فقال الفيج: إذا أخبرك يا أمير المؤمنين! إني انتظرت انصراف المسلمين عن الروم وعلمت أنك مسائلي (2) عما سألتني. فقال عمر: ويحك! إني أراك عاقلا فما دينك؟ قال: أنا نصراني، فقال عمر: فما يدلك عقلك هذا على أن تسلم لله رب العالمين وتعبده ولا تشرك به شيئا؟ قال الفيج: فإني قد أسلمت على يدك يا أمير المؤمنين وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله! فقال عمر: الحمد لله الذي يهدي لدينه من يشاء! جئتني كافرا وتنصرف من عندي مسلما، فأحمد الله عز وجل على ما هداك له من دينه.
قال: ثم بره وكساه وأحسن إليه وزوده وكتب معه إلى أبي عبيدة بن الجراح (3): بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة بن الجراح، أما بعد فقد جاءني كتابك تخبرني فيه بنفر الروم إليك وبمنزلتهم