والنمارق، ولا يتكئ على الكراسي تواضعا لربه عز وجل وخوفا من الحساب والعقاب.
أما قولكم: إنا نستحل قتالكم ونؤمن بكتابكم ونبيكم ونأكل ذبيحتكم وننكح فيكم، فإن نبيكم إنما نؤمن به على أنا نشهد عليه أنه عبد من عبيد الله عز وجل ورسول من رسله وإن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فكان بشرا سويا، لا نقول إنه ولد الله تبارك وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، ولا نقول إنه ثاني اثنين ولا ثالث ثلاثة، ولا نقول إن لربنا صاحبة ولا ولدا تبارك الله وتعالى ولا إن مع الله إلها آخر، وأنتم تقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، ولو أنكم قلتم في عيسى كمقالتنا وآمنتم بنبوة نبينا ووحدتم الله تعالى كتوحيدنا وأقررتم بما جاء من عند ربنا لما قاتلناكم ولواليناكم وقاتلنا معكم عدوكم، والآن فانا ندعوكم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى الايمان بمحمد عبده ورسوله على أنكم تستقبلون قبلتنا وتستنون بسنتنا وتكسرون الصليب وتقتلون الخنزير (1) وتجتنبون الخمر والزنا، فإذا فعلتم ذلك فأنتم منا ونحن منكم، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان أبيتم ذلك فأدوا الجزية في كل عام واعقدوا منا الذمة حتى نكف عنكم، فإن أبيتم ذلك فاعزموا على القتال والمناجزة، هذا ما نأمركم به وندعوكم إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: فلما فرغ معاذ بن جبل من كلامه هذا وخبرهم الترجمان بما تكلم به أيسوا من قبله ولم يطمعوا فيه، ثم أقبل إليه الترجمان على لسان القوم فقال: إن القوم يقولون لك: إنا نرى الامر متباعدا بيننا وبينكم متفاوتا جدا، وقد بقيت خصلة واحدة نحن نعرضها عليكم، فإن قبلتموها فهو خير لكم، وأن أبيتموها ورددتموها فهو شر لكم، فقال معاذ: فما هذه الخصلة اذكروها حتى أعلمها؟ فقال الترجمان:
نعطيكم أرض البلقاء وما والاها (2) مما غلبتم عليه وتتنحون عن بقية أرضنا ومدائننا وتكتبون لنا عليكم بذلك كتابا نسمي فيه خياركم وصلحاءكم ونأخذ فيه عهودكم ومواثيقكم أنكم لا تطلبون من أرضنا شيئا إلا ما صالحناهم عليه ونعطيكم منا من الوفاء مثل ذلك وتنصرفون عنا، وعليكم بأرض فارس فقاتلوا أهلها ونحن نعينكم