فيها، ذمها ونهى عن زينتها، فإن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم نبي الهدى والصادق المصدوق قد كان نهى أن لا يقوم لاحد من خلق الله، ولا يكون قياما إلا لربنا في الصلاة والعبادة والرغبة والرهبة، وليس قيامي لكم ولكني أقوم إعظاما لله عز وجل فإذ قد أبيتم أن تكلموني وأنا قائم فأنا أجلس ههنا، قال: ثم رفع معاذ طرف البساط وجلس [على] الأرض.
فقال له الترجمان: يا هذا! إن جلوسك على التراب من جلوس العبيد فلا تزر بنفسك إن كنت عربيا فإن جلوسك مع قومنا على بساطهم هو أكرم لك وأجمل بك من جلوسك على الأرض متنحيا عن البساط كصنع العبد الذليل الذي لا يرى نفسه للكرامة أهلا، فلا تفعل أيها الرجل بنفسك هذا واجلس مع القوم على بساطهم، فليس كل أحد يطمع في ذلك منهم غير أنهم قد بلغم عنك صلاح وفضل فهم يحبون إكرامك، فقال معاذ: يا هذا! قد أكثرت علي من كلامك هذا، إن كانت هذه الكرامة التي تدعوني إليها للدنيا فلا حاجة لي فيها، وأما قولك إني جلست كالعبد فإني إنما أنا عبد من عبيد الله تعالى وإنما جلست على بساط ربي عز وجل (1).
قال: فقال له الترجمان: إني أظنك أفضل أصحابك، قال: لا ولكني أخاف أن أكون أشرهم.
قال: وجعل معاذ كلما تكلم بشئ يفسره الترجمان للقوم. قال: ثم أقبل عليه الترجمان فقال: إن القوم يقولون لك: ما الذي تطلبون وتريدون وإلى ماذا تدعون؟ ونريد أن تخبرونا ما الذي أدخلكم إلى بلادنا هذه وتركتم أرض الحبشة وليست منكم ببعيدة، وتركتم أرض الفرس وهي أقرب إليكم منا (2)، اعلموا أن بأسنا شديد وشرنا عنيد، وإنكم إن كنتم فتحتم مدينة من مدننا فاحتويتم عليها ونزلتموها أو مدينتين أو ثلاثة كانت لنا مدن كثيرة، فإن هزمتم لنا جيشا كانت لنا جيوش أخر لان