غلام له بين يديه فكلمه بالفرسية فقال: شوانشان خاك بياور، فذهب الغلام فجاء بزنبيل ملان ترابا فقال: خذوه الآن وضعوه على رأس أكبركم وأفضلكم وارجعوا إلى صاحبكم فخبروه بأني سأوجه إليكم من يدفنه ويدفن أصحابه في خندق القادسية.
قال: فوثب عاصم بن عمرو التميمي (1) وكان أصغر القوم فأحب أن يوقر المشايخ فحمل التراب، ونزل المغيرة عن سرير يزدجرد، وخرج القوم فركبوا دوابهم وساروا حتى صاروا إلى سعد بن أبي وقاص فخبروه بما كان من كلامهم وكلام يزدجرد.
قال: ثم أقبل يزدجرد على وزيره الأكبر رستم فقال له: إن الشتاء قد انحسر عنا وعن هؤلاء القوم، والأرض قد أعشبت والأشجار قد أينعت، فسر إليهم بخيلك ورجلك وجاهدهم أبدا حتى تردهم على أدبارهم من حيث جاؤنا. قال: فعندها عرض رستم من كان بحضرته من الفرس، فكانوا عشرين ومائة ألف فارس وثلاثين ألف راجل، فسار هؤلاء القوم حتى نزلوا بإزاء المسلمين بأرض القادسية، وكتب يزدجرد إلى جميع البلاد التي كانت في يده فاستنهضهم إلى حرب المسلمين، فأجابوه على كل صعب وذلول، فكان أول من أجابه إلى ذلك بهرام صاحب همذان في خمسة وعشرين ألفا من فارس وراجل، وأجابه شير زاد صاحب قم وقاشان في مثل ذلك، وأجابه البندوان صاحب أصفهان في مثل ذلك، وأجابه خرشيد صاحب الري في قريب من ذلك، فاجتمعت العساكر إلى رستم بالقادسية في جمع عظيم، فتواعد القوم للحرب ودنا القوم بعضهم من بعض، وكانت حروبهم أربعة أيام: يوم أرماث (2) ويوم أغواث ويوم السواد ويوم النفاذ.