إليك أبا عبيد - رحمة الله عليه -! وأنعي إليك بنيه الثلاثة وهبا ومالكا وجبرا، وأنعى إليك سليط بن قيس الأنصاري وفلانا وفلانا - فلم يزل يعد وجوه المهاجرين والأنصار، فقال له عمر: فالمثنى بن حارثة الشيباني ما حاله؟ فقال: تركته جريحا يا أمير المؤمنين.
قال: فضج الناس بالبكاء والنحيب، ثم دعا عمر رضي الله عنه بجرير بن عبد الله البجلي فقال له: ويحك يا جرير! إنا قد أصبنا بالمسلمين مصيبة عظيمة والمثنى بن حارثة في وجه العدو غير أنه جريح لما به، فسر نحو العراق فعسى الله عز وجل أن يدفع شر هؤلاء الأعاجم وتخمد بك جمرتهم (1).
قال: فسار جرير بن عبد الله من المدينة في سبعمائة رجل حتى صار إلى العراق فنزلها (2)، وبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إليه (أما بعد يا جرير فإنا نحن الذين قدمنا المهاجرين والأنصار من بلدهم، وأقمنا نحن في نحر العدو نكابدهم ليلا ونهارا، وإنما أنت مدد لنا فما انتظارك - رحمك الله - لا تصير إلينا؟
فصر إلينا وكثرنا بأصحابك، فإن زعمت أنك رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلي عليك إلا من كان مثلك فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي على المهاجرين والأنصار، فلما حضرته وفاته قد كان ولاني، ولو علم أني لا أقوم مقامه ما فعل، فرأيك أبا عمرو فيما كتبت إليك - والسلام).
قال: فكتب إليه جرير: (أما بعد فقد ورد كتابك علي فقرأته وفهمته، فأما ما ذكرت أنك الذي قدمت المهاجرين والأنصار إلى حرب العدو، فصدقت وليتك لم تفعل، وأما قولك: إن المهاجرين والأنصار لحقوا ببلدهم (3)، فإنه لما قتل أميرهم