ثم رفع رأسه فنظر إلى السقف وقال: خبروني عن هذه الكلمة كلما قلتموها في بلادكم انتفضت سقوفكم؟ قال هشام: لا، وما رأينا هذا إلا عندك وما نظن هذا إلا لشئ وعظت به لتعتبر، فقال هرقل: ما أحسن الصدق وأزين الحق، ولكن خبروني عن هذه الكلمة أتقولونها إذا أردتم أن تفتحوا المدن والحصون؟ فقال هشام: نقولها ولا نعتمد إلا عليها.
قال: فأطرق هرقل ساعة ثم إنه راطن بعض غلمانه بالرومية وأقبل على هشام بن العاص وأصحابه فقال: إني قد أمرت لكم بمنزل فصيروا إليه يومكم هذا.
قال: فصار هشام والمسلمون إلى ذلك المنزل وأمر لهم بطعام وعلوفة وما يصلحهم.
فلما كان من غد بعث إليهم فدخلوا عليه وليس في مجلسه أحد، فأمرهم بالجلوس فجلسوا ثم دعا بشئ على مثل الصندوق الصغير إلى الطول ما هو وفيه بيوت صغار عليها أبواب، ففتح منها بابا ثم أدخل يده وأخرج خرقة حرير سوداء فيها صورة رجل طوال أبيض الجسم كبير العينين والأذنين أقنى (1) الانف كأنه القمر في صورته مع عظم جسده فقال هرقل: أتدرون من هذا؟ فقال المسلمون: لا نعرفه، فقال: هذا أبوكم آدم عليه السلام، ثم طوى الحريرة وردها إلى موضعها، وفتح بابا آخر وأدخل يده فأخرج حريرة سوداء ثم نشرها فإذا فيها صورة رجل مدور الهامة معتدل القامة صلت (2) الجبين أحور العينين لطيف الفم قد وخطه الشيب، فقال: أتدرون من هذا؟ فقال المسلمون: لا، ما نعرفه، فقال: هذا أبوكم إبراهيم عليه السلام، ثم طوى الحريرة وردها إلى موضعها وفتح بابا آخر فأخرج حريرة بيضاء ثم نشرها فإذا فيها صورة رجل آدم طوال جعد الشعر حديد النظر كث اللحية، فقال: أتعرفون من هذا؟ فقال هشام: لا، ما نعرفه، فقال هرقل: فلا يجب عليكم أن تعرفوه بصفته، هذا موسى بن عمران الذي كلمه الله عز وجل على الطور، فلم يزل هرقل يفتح بابا بابا ويعرض الصور على هشام وأصحابه حتى عرض عليهم النبيين بصفاتهم ونعوتهم، ثم فتح آخر الأبواب وأخرج حريرة سوداء مذهبة الجوانب ثم نشرها فجعل ينظر إلى الصورة التي فيها ويتأملها ثم أقبل على هشام بن العاص وأصحابه ثم قال: أتعرفون هذه الصفة؟ فلما نظر المسلمون إلى الصورة