قال ابن هشام: وإنما أجاب الحارث بن هشام أبا سفيان لأنه ظن أنه عرض به في قوله:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم لفرار الحارث يوم بدر.
قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير أنه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذا مالت الرماة إلى العسكر، حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم.
قال ابن هشام: الصارخ: أزب العقبة، يعنى الشيطان.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش، فلاثوا به. وكان اللواء مع صؤاب، غلام لبني أبى طلحة حبشي، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل به حتى قطعت يداه، ثم برك عليه يقاتل، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه، وهو يقول: اللهم هل أعزرت - يقول: أعذرت - فقال حسان بن ثابت في ذلك:
فخرتم باللواء، وشر فخر * لواء حين رد إلى صؤاب جعلتم فخركم فيه لعبد * وألام من يطا عفر التراب