فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدي مرارا، فأول ما حفظ أنه ساق البدن في عمرة الحديبية، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا للخروج، قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست زائرا له، فقال له صلى الله عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء الله معتمرون فأقام، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة، واستعمل صلى الله عليه وسلم على هديه ناجية بن جندب هذا.
وخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعى بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا وهي سبعون بدنة، منها جمل أبي جهل، وقدم ناجية مع الهدي، وكان معه فتيان من أسلم، فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدي حين نظرت إلى الأبواء، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: انحرها، واصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخل بين الناس وبينها (1).
فلما صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،