إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٧ - الصفحة ٢٥١
فصل في ذكر صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية (بن جندب)، وقد ورد أن ذئيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضي الله عنه (1).
ووقع في موطأ مالك رحمه الله تعالى، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها. كذا وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا (2)، وأسنده جماعة من الحفاظ (3) رووه

(1) له ترجمة في: (الإصابة): 6 / 399 - 401، ترجمة رقم (8648)، (الإستيعاب): 4 / 1522 - 1523، ترجمة رقم (2650).
(2) (موطأ مالك): 262، كتاب الحج، العمل في الهدي إذا عطب أو ضل، حديث رق (858).
(3) (سنن أبي داود): 2 / 368، كتاب مناسك الحج، باب (19) في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، حديث رقم (1762)، وفيه: " ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس ". قال الخطابي: إنما أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المار به أنه هدي فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا، ولم يكن مضطرا إلى أكله.
وفي قوله: " خل بينه وبين الناس " دلالة على أنه لا يحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه، وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم. وقال مالك بن أنس: فإن أكل شيئا كان عليه البدل. (معالم السنن).
وأخرجه الترمذي في (السنن): 3 / 253، كتاب الحج، باب (71)، ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به، حديث رقم (910)، (ثم قال): وفي الباب عن ذؤيب أبي قبيصة الخزاعي.
قال أبو عيسى: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في هدي التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلي بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه.
وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدي التطوع شيئا، فقد ضمن الذي أكل.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح)، باب (66) ما يفعل بالهدي إذا عطب بالطريق، حديث رقم (1325).
وفيه فوائد، منها: أنه إذا عطب الهدي وجب ذبحه وتخليته للمساكين، ويحرم الأكل منها عليه، وعلى رفقته الذين معه في الركب، سواء كان الرفيق مخالطا له أو في جملة الناس من غير مخالطة، والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه.
واختلف العلماء في الأكل من الهدي إذا عطب فنحره، فقال الشافعي: إن كان هدي تطوع له أن يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك، ولو تركه ولا شئ عليه في ذلك لأنه ملكه.
وإن كان هديا منذورا لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه، كما لو فرط في حفظ الوديعة حتى تلفت. فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب بها صفحه سنامه، وتركه موضعه، ليعلم من مر به أنه هدي فيأكله.
ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدي وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا، لأن الهدي مستحق للمساكين، فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة. وفي المراد بالرفقة وجهان، بسط القول فيهما في (مسلم بشرح النووي): 9 / 85.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1036، كتاب المناسك، باب (101) في الهدي إذا عطب، حديث رقم (3105).
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست