إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٧
العين حق ودواء المصاب خرج البخاري ومسلم (1)، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شئ سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا (2).

(١) في (الأصلين): " مسلم والنسائي " والصواب ما أثبتناه.
وفي هذا الحديث سر طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا.
وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة، والله تعالى أعلم. (زاد المعاد): ٤ / ١٠٦.
(٢) (فتح الباري): ١٠ / ٢٤٩، كتاب الطب، باب (٣٦) العين حق، حديث رقم (٥٧٤٠) ولفظه:
" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق. ونهى عن الوشم "، وأخرجه أيضا بسنده ولفظه في كتاب اللباس، باب (٨٦) الواشمة، حديث رقم (٥٩٤٤).
قوله: " العين حق "، أي الإصابة بالعين شئ موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لأن كل شئ ليس محالا في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟
(فتح الباري).
قوله: " العين حق ونهى عن الوشم "، لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة ا لثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق، الذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي.
والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر (فتح الباري).
قال الحافظ في (الفتح): وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الذي قدره الله سيقع.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: " العين حق، ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " (سيأتي شرحه).
فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله: " العين حق " يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام، فإن عين الشئ حقيقته، والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر الله السابق، لا بشئ يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شئ، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. (فتح الباري).
وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي): ١٤ / ٤٢٢ - ٤٢٤، كتاب السلام، باب (١٦) الطب والمرض والرقي، حديث رقم (٢١٨٧) ولفظه: " العين حق "، وحديث رقم (٢١٨٨) بزيادة: ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا ".
قال الحافظ في (الفتح): وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين.
وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف " أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف - وكان أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط - أي صرع وزنا ومعنى - سهل. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامر فتغيظ عليه، فقال:
علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخله إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس " لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري. (فتح الباري)، ومنه تنبيهات:
الأول: اقتصر النووي في (الأذكار) على قوله: الاغتسال أن يقال للعائن: اغسل داخله إزاك مما يلي الجلد، فإذا فعل صبه على المنظور إليه، وهذا يوهم الانتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما وقد نقل في (شرح مسلم) كلام عياض بطوله.
الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه، وقال ابن العربي: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قال الله ورسوله أعلم - وقد عضدته التجربة، وصدقته المعاينة، أو متفلسف، فالرد عليه أظهر، لأن عنده الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام، فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكور كما مضى: " إلا بركت عليه "، وفي رواية ابن ماجة: " فليدع بالبركة "، ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزاز وابن السني من حديث أنس رفعه: " من رأى شيئا. وأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لم يضره ".
وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الاعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح.
وأن الذي يعجبه الشئ ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل.
وقد اختلف في جريان القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا، وقال النووي في (الروضة): لا دية فيه ولا كفارة.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 384 385 386 387 389 390 391 392 395 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 وأما الخرقة التي كان يتنشف بها 3
2 وأما الحبرة 6
3 وأما المرط 8
4 وأما المصبوغ بالزعفران 9
5 وأما الإزار والكساء 11
6 وأما السراويل 15
7 وأما لبس الصوف ونحوه 18
8 وأما وقت لبسه وما يقول عند اللبس 21
9 وأما الخف 25
10 وأما النعل 27
11 فصل في خاتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 34
12 وأما فص خاتمه (صلى الله عليه وسلم) 48
13 وأما سبب اتخاذ الخاتم 51
14 وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها 54
15 فصل في ذكر جلسة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واحتبائه 61
16 فصل في ذكر خضاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 65
17 فصل في ذكر ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يفعله في شعر 75
18 فصل في ذكر مرآة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومكحلته 86
19 فصل في ذكر محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للطيب وتطيبه 92
20 ذكر اطلاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالنورة إن صح 105
21 فصل في ذكر سرير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 108
22 فصل في ذكر القدح الذي كان يبول فيه 111
23 فصل في ذكر آلات بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 115
24 فأما الحصير 115
25 وأما الفرش 116
26 وأما اللحاف 119
27 وأما الوسادة 119
28 وأما القطيفة 123
29 وأما القبة 125
30 وأما الكرسي 126
31 وأما ما كان يصلى عليه 128
32 فصل في ذكر سلاح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 134
33 فأما سيوفه (صلى الله عليه وسلم) 134
34 وأما دروعه (صلى الله عليه وسلم) 142
35 وأما قسيه (صلى الله عليه وسلم) 149
36 وأما المغفر 150
37 وأما الرماح 152
38 وأما الترس 153
39 وأما العنزة 153
40 وأما المنطقة 158
41 وأما اللواءات والرايات 159
42 وأما القضيب والعصا 174
43 فصل في ذكر من كان على سلاح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 177
44 فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي (صلى الله عليه وسلم) 178
45 فصل في ذكر خيل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 191
46 فصل في تضمير خيل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 201
47 فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أسفاره 208
48 فصل في ذكر من استعمله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الخيل 210
49 فصل في ذكر سرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن كان يسرج له فرسه 212
50 فصل في ذكر ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول إذا ركب 214
51 فصل في ذكر بغلة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 216
52 فصل في ذكر حمار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 224
53 فصل في ذكر ناقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 228
54 فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 238
55 فصل في ذكر إبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 242
56 فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الكعبة البيت الحرام 248
57 فصل في ذكر صاحب بدن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 251
58 فصل في ذكر غنم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 255
59 فصل في ذكر حمى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 257
60 فصل في ذكر ديك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 261
61 فصل في ذكر طعام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 262
62 فأما المائدة 262
63 وأما القصعة والجفنة 263
64 وأما أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يشبع من طعام 263
65 وأما إئتدامه بالخل 269
66 وأما أكله القثاء 272
67 وأما أكله الدباء 274
68 وأما الضب 277
69 وأما أكله الحيس 279
70 وأما أكله الثفل 281
71 وأما أكله اللحم 284
72 وأما أكله القلقاس 291
73 وأما أكله القديد 291
74 وأما أكله المن 292
75 وأما أكله الجبنة 293
76 وأما أكله الشواء 294
77 وأما أكله الدجاج 295
78 وأما أكله لحم الحباري 297
79 وأما أكله الخبيص 298
80 وأما أكله الهريس 299
81 وأما أكله الزنجبيل 300
82 وأما تقززه أكل الضب وغيره 301
83 وأما اجتنابه ما تؤذى رائحته 309
84 وأما أكله الجمار 311
85 وأما حبه الحلواء والعسل 311
86 وأما أكله التمر 312
87 وأما أكله العنب 316
88 وأما أكله الرطب والبطيخ 316
89 وأما أكله الزيت 319
90 وأما أكله السمك 319
91 وأما أكله البيض 321
92 فصل في هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الأكل 322
93 وأما قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة 329
94 وأما ما يقوله عند الباكورة 331
95 وأما أكله بثلاث أصابع ولعقها 334
96 وأما أكله مما يليه 334
97 وأما أنه لا يأكل متكئا 336
98 وأما أنه لم يذم طعام 336
99 وأما التسمية إذا أكل وحمد الله بعد فراغه من الأكل 338
100 وأما ما يقوله إذا أكل عند أحد 342
101 وأما أكله باليمين 344
102 وأما أنه كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها 344
103 فصل في شرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومشروباته 346
104 وأما طلب الماء العذب 346
105 وأما الآبار التي كان يستعذب له منها الماء 349
106 وأما تبريد الماء 352
107 وأما قدحه الذي يشرب فيه 355
108 وأما شربه اللبن 358
109 وأما شربه النبيذ 360
110 وأما أنه لا يتنفس في الإناء 365
111 وأما إيثاره من على يمينه 368
112 وأما شربه آخر أصحابه 375
113 وأما شربه قائما وقاعدا 376
114 فصل في طب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 380
115 وأما طبه 382
116 وأما حمية المريض 384
117 إطعام المريض ما يشتهيه 385
118 العين حق ودواء المصاب 387
119 التداوي بالعجوة 396
120 التداوي بالعسل 397