ودعا الله أن يقبضه في الصلاة، فصلى يوما الفجر وقرأ في الأولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة، ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه، وذلك في سنة ست وثلاثين، وقيل سنة سبع، وقيل إنه تأخر إلى سنة تسع وخمسين، والصحيح الأول.
قلت: ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في المسند للإمام أحمد.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن عثمان، أبو بكر الصديق. وقد تقدم الوعد بأن ترجمته ستأتي في أيام خلافته إن شاء الله عز وجل وبه الثقة. وقد جمعت مجلدا في سيرته وما رواه من الأحاديث وما روي عنه من الآثار، والدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه عن سراقة بن مالك، في حديثه حين اتبع رسول الله حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم، فلما غشيهم - وكان من أمر فرسه ما كان - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه إليه. وقد روى الإمام أحمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة كتبه، فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقيه والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في أيام خلافته وكتابته بين يديه عليه السلام مشهورة. وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الاسلام.
ومنهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في خلافته، وقد تقدم أنه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس، وأنه لا إسلال ولا إغلال، وعلى وضع الحرب عشر سنين. وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم. وأما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم وفي آخره وكتب علي بن أبي طالب، وفيه شهادة جماعة من الصحابة منهم سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان فهو كذب وبهتان مختلق موضوع مصنوع، وقد بين جماعة من العلماء بطلانه، واغتر بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم وهذا ضعيف جدا. وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه وأنه موضوع، اختلقوه وصنعوه وهم أهل لذلك، وبينته وجمعت مفرق كلام الأئمة فيه ولله الحمد والمنة.
ومن الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وستأتي ترجمته في موضعها. وقد أفردت له مجلدا على حدة، ومجلدا ضخما في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاحكام المروية عنه رضي الله عنه، وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الأرقم.