فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة. ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
قلت: والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة * (والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور) * السورة بكمالها. وذلك لما رواه البخاري حيث قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قال: شكوت إلى رسول الله أني أشتكي، قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حينئذ إلى جنب البيت وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور. وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه. وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة، عن أبيه عن زينب، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " فذكر الحديث فأما ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ ولعل قوله يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ وإنما هو يوم النفر ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري. والله أعلم. والمقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وبين باب الكعبة فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة. قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم. المثنى ضعيف.
فصل ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها. أخرجاه. وقال ابن عمر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى. رواه البخاري ومسلم وفي لفظ دخل من كداء وخرج من كدى. وقد قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن فضيل، ثنا أجلح بن عبد الله، عن أبي الزبير عن جابر قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتى أتى سرف وهي على تسعة أميال من مكة وهذا غريب جدا، وأجلح فيه نظر، ولعل هذا في غير حجة الوداع فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح فماذا أخره إلى وقت الغروب. هذا غريب جدا، اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع ولم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته