فأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي (1) أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا جعفر بن عون، أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرأون قراءة ما أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم: والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما. قال: فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النواحة، قال: فأمر به عبد الله فقتل، ثم قال: ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء ولكن نحوزهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم (2). وقال الواقدي كان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا عليهم سلمى بن حنظلة وفيهم الرحال بن عنفوة وطلق بن علي، وعلي بن سنان، ومسيلمة بن حبيب الكذاب، فأنزلوا في دار مسلمة بنت الحارث وأجريت على الضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما، ومرة خبزا ولبنا، ومرة خبزا، ومره خبزا وسمنا، ومره تمرا ينزلهم. فلما قدموا المسجد أسلموا وقد خلفوا مسيلمة في رحالهم، لما أرادوا الانصراف أعطاهم جوائزهم خمس أواق من فضة، وأمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم، لما ذكروا أنه في رحالهم فقال " أما أنه ليس بشركم مكانا " فلما رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه فقال: إنما قال ذلك لأنه عرف الامر لي من بعده، وبهذه الكلمة تشبث قبحه الله حتى ادعى النبوة. قال الواقدي: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم بأداوة فيها فضل طهوره، وأمرهم أن يهدموا بيعتهم وينضحوا هذا الماء مكانه ويتخذوه مسجدا ففعلوا (3). وسيأتي ذكر مقتل الأسود العنسي في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقتل مسيلمة الكذاب في أيام الصديق، وما كان من أمر بني حنيفة إن شاء الله تعالى.
وفد أهل نجران (4) قال البخاري: حدثنا عباس بن الحسين، ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة. قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وأبعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا رجلا أمينا، فقال: " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قم يا أبا عبيدة الجراح، فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أمين هذه