علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز: تعس الأبعد - يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم -. فقال أبو حارثة: بل أنت تعست فقال له كرز ولم يا أخي فقال والله أنه للنبي الذي كنا ننتظره فقال له كرز وما يمنعك وأنت تعلم هذا. فقال له: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا واخدمونا وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى قال فاضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم بعد ذلك. وذكر ابن إسحاق أنهم لما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل وثياب حسان وقد حانت صلاة العصر فقاموا يصلون إلى المشرق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فكان المتكلم لهم أبا حارثة بن علقمة والسيد والعاقب حتى نزل فيهم صدر من سورة آل عمران والمباهلة فأبوا ذلك وسألوا أن يرسل معهم أمينا فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح كما تقدم في رواية البخاري وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسير سورة آل عمران ولله الحمد والمنة.
وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل واربد بن مقيس قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس بن جزء بن جعفر (1) بن خالد وجبار (2) بن سلمى بن مالك بن جعفر، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم. وقدم عامر بن الطفيل عدو الله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به، وقد قال له قومه: يا أبا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم. قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فانا أتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إن قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فأعله بالسيف، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عامر بن الطفيل: يا محمد خالني قال: " لا والله حتى تؤمن بالله وحده " قال:
يا محمد خالني، قال: وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد لا يحير شيئا، فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال: يا محمد خالني، قال " لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له " فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اكفني عامر بن الطفيل " فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل لأربد:
أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل أخوف على نفسي منك، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال: لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف؟ وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول؟