من سطوته أن يقتله بأبيه. فقال مصعب: أبلغوه أنه آمن، أيحسب أني أقتله بأبي عبد الله؟ كلا والله ليسا سواء، وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته. وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضي الله عنها وعنه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش الجنان ولا اليد كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طراد يا بن فقع القردد (1) ثكلتك أمك إن (2) ظفرت بمثله * فيمن مضى فيمن يروح ويغتدي والله ربك (3) إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد ومنهم رضي الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري، أبو سعيد، ويقال أبو خارجة ويقال أبو عبد الرحمن المدني قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة فلهذا لم يشهد بدرا لصغره، قيل ولا أحدا وأول مشاهده الخندق، ثم شهد ما بعدها. وكان حافظا لبيبا عالما عاقلا، ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه.
فتعلمه في خمسة عشر يوما. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، ثنا عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله المدينة قال زيد: ذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال " يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهود على كتابي ". قال زيد: فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب. ثم رواه أحمد: عن شريح بن النعمان، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة عن أبيه فذكر نحوه. وقد علقه البخاري في الاحكام عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجزم فقال: وقال خارجة بن زيد فذكره. ورواه أبو داود: عن أحمد بن يونس والترمذي عن علي بن حجر كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة عن أبيه به نحوه. وقال الترمذي حسن صحيح. وهذا ذكاء مفرط جدا. وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس. وروى أحمد والنسائي من حديث أبي قلابة، عن أنس بن رسول الله أنه قال " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل،